اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

ثمَّ ذمَّهم بأنهم يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ، وذلك نهاية في كفران النِّعمة ، وجيء ب " ثُمَّ " هنا ؛ للدَّلالة أن إنكارهم أمر مستبعد بعد حصول المعرفة ؛ لأنَّ من عرف النِّعمة حقُّه أن يعترف لا أن ينكر ، وفي المراد بالنِّعمة وجوه :

قال القاضي{[1]} : هي جميع ما ذكر الله تعالى في الآيات المتقدِّمة ، ومعنى إنكارهم : أنهم ما أفردوه - تعالى - بالشُّكر والعبادة ، بل شكروا غيره وقالوا : إنما حصلت هذه النعمة بشفاعة الأصنام .

وقيل : المراد بالنِّعمة هنا : نُبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم ، عرفوا أنَّها حق ثمَّ أنكروها ، ونبوته نعمة عظيمة ؛ كما قال - تعالى- : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] .

وقيل :{ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } ، أي : لا يستعملونها في طلب رضوان الله ، ثم قال جل ذكره : { وَأَكْثَرُهُمُ الكافرون } .

فإن قيل : ما معنى قوله : { وَأَكْثَرُهُمُ الكافرون } ، مع أنَّهم كلهم كافرون ؟ .

فالجواب من وجوه :

الأول : إنما قال - عز وجل - : { وَأَكْثَرُهُمُ الكافرون } ؛ لأنه كان فيهم من لم تقم عليه الحجَّة ؛ كالصَّبي وناقص العقل ، فأراد بالأكثر ؛ البالغين الأصحاء .

والثاني : أن المراد بالكافر : الجاحد المعاند ، فقال : " وأكْثَرهُم " ؛ لأنه كان فيهم من لم يكن معانداً ، بل جاهلاً بصدق الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ولم يظهر له كونه نبيًّا حقًّا من عند الله .

الثالث : ذكر الأكثر وأراد الجميع ؛ لأن أكثر الشيء ، يقوم مقام الكل ؛ كقوله : { الحمد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ لقمان : 25 ] .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.