تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعۡرَضَ عَنۡهَآۚ إِنَّا مِنَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (22)

وقوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا } أي : لا أظلم ممن ذَكَّرَه الله بآياته وبينها له ووضحها ، ثم بعد ذلك تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها ، كأنه لا يعرفها .

قال قتادة ، رحمه الله : إياكم والإعراض عن ذكر الله ، فإن مَنْ أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرَّة ، وأعوز أشد العَوَز{[23148]} ، وعظم من أعظم الذنوب .

ولهذا قال تعالى متهددا لمن فعل ذلك : { إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ } أي : سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام .

وقال ابن جرير : حدثني عمران بن بكار الكِلاعي ، حدثنا محمد بن المبارك ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا عبد العزيز بن عبيد الله ، عن عبادة بن نُسَيّ ، عن جنادة بن أبي أمية{[23149]} عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ثلاث من فعلهن فقد أجرم ، من عقد{[23150]} لواء في غير حق ، أو عقَّ والديه ، أو مشى مع ظالم ينصره ، فقد أجرم ، يقول الله تعالى : { إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ } {[23151]}

ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث إسماعيل بن عياش ، به ، وهذا حديث غريب جدًا .


[23148]:- في ت، أ: "وأعور أشد العورة".
[23149]:- في ت: "وروى ابن جرير بإسناده".
[23150]:- في ت: "اعتقد" وفي أ "أعقد".
[23151]:- تفسير الطبري (21/69).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعۡرَضَ عَنۡهَآۚ إِنَّا مِنَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّن ذُكّرَ بِآيَاتِ رَبّهِ ثُمّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وأيّ الناس أظلم لنفسه ممن وعظه الله بحججه ، وآي كتابه ورسله ، ثم أعرض عن ذلك كله ، فلم يتعظ بمواعظه ، ولكنه استكبر عنها .

وقوله إنّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ يقول : إنا من الذين اكتسبوا الاَثام ، واجترحوا السيئات منتقمون .

وكان بعضهم يقول : عنى بالمجرمين في هذا الموضع : أهل القدر . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، قال : أخبرنا وائل بن داود ، عن مروان بن سفيح ، عن يزيد بن رفيع ، قال : إن قول الله في القرآن إنّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ هم أصحاب القدر ، ثم قرأ إنّ المُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ . . . إلى قوله خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ .

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا مروان ، قال : أخبرنا وائل بن داود ، عن ابن سفيح ، عن يزيد بن رفيع بنحوه ، إلاّ أنه قال في حديثه : ثم قرأ وائل بن داود هؤلاء الاَيات إنّ المُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وسُعُرٍ . . . إلى آخر الاَيات .

وقال آخرون في ذلك ، بما :

حدثني به عمران بن بكار الكلاعي ، قال : حدثنا محمد بن المبارك ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، قال : حدثنا عبد العزيز بن عبيد الله ، عن عبادة بن نسيّ ، عن جنادة بن أبي أُميّة ، عن معاذ بن جبل ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ثَلاثٌ مَنْ فَعَلَهُنّ فَقَدْ أجْرَمَ : مَنِ اعْتَقَدَ لِوَاءً فِي غيرِ حَقّ ، أوْ عَقّ وَالِدَيْهِ ، أوْ مَشَى مَعَ ظالِمٍ يَنْصُرُهُ فَقَدْ أجْرَمَ . يَقُولُ اللّهُ : إنّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ » .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعۡرَضَ عَنۡهَآۚ إِنَّا مِنَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (22)

{ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها } فلم يتفكر فيها ، و{ ثم } لاستبعاد الإعراض عنها مع فرض وضوحها وإرشادها إلى أسباب السعادة بعد التذكير بها عقلا كما في بيت الحماسة .

ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة *** يرى غمرات الموت ثم يزورها

{ إنا من المجرمين منتقمون } فكيف ممن كان أظلم من كل ظالم .