تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا} (58)

ثم قال : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ } أي : في أمورك كلها كُن متوكلا على الله الحي الذي لا يموت أبدا ، الذي هو { الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ الحديد : 3 ] الدائم الباقي السرمدي الأبدي ، الحي القيوم ربّ كل شيء ومليكه ، اجعله ذُخْرك وملجأك ، وهو الذي يُتَوكل عليه ويفزع إليه ، فإنه كافيك وناصرك ومؤيدك ومظفرك ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [ المائدة : 67 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي بن نُفَيْل قال : قرأت على مَعْقِل - يعني ابن عبيد الله - عن عبد الله بن أبي حسين ، عن شَهْر بن حَوْشَب قال : لقي سلمانُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في بعض فجاج{[21563]} المدينة ، فسجد له ، فقال : " لا تسجد لي يا سلمان ، واسجد للحي الذي لا يموت " وهذا مرسل حسن{[21564]} .

[ وقوله تعالى : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } ، أي : اقرن بين حمده وتسبيحه ]{[21565]} ؛ ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سبحانك اللهم رَبَّنا وبحمدك " أي : أخلص له العبادة والتوكل ، كما قال تعالى : { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا } [ المزمل : 9 ] .

وقال : { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [ هود : 123 ] { قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } [ الملك : 29 ] .

وقوله : { وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا } أي : لعلمه{[21566]} التام الذي لا يخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة .


[21563]:- في أ : "مخارج".
[21564]:- ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/103) من طريق محمد بن أحمد بن سيار عن هشام عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين به
[21565]:- زيادة من ف ، أ.
[21566]:- في ف ، أ : "بعلمه".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا} (58)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَتَوَكّلْ عَلَى الْحَيّ الّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىَ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } .

يقول تعالى ذكره : وتوكل يا محمد على الذي له الحياة الدائمة التي لا موت معها . فثق به في أمر ربك ، وفوّض إليه ، واستسلم له ، واصبر على ما نابك فيه . قوله : وَسَبّحْ بِحَمْدِهِ يقول : واعبده شكرا منك له على ما أنعم به عليك . قوله : وكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عبادِهِ خَبِيرا يقول : وحسبك بالحي الذي لا يموت خابرا بذنوب خلقه ، فإنه لا يخفى عليه شيء منها ، وهو محصٍ جميعها عليهم حتى يجازيهم بها يوم القيامة .