تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{ٱلۡأَعۡرَابُ أَشَدُّ كُفۡرٗا وَنِفَاقٗا وَأَجۡدَرُ أَلَّا يَعۡلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (97)

أخبر تعالى أن في الأعراب كفارا ومنافقين ومؤمنين ، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد ، وأجدر ، أي : أحرى ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ، كما قال الأعمش عن إبراهيم قال : جلس أعرابي إلى زيد بن صَوْحان وهو يحدث أصحابه ، وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوَند ، فقال الأعرابي : والله إن حديثك ليعجبني ، وإن يدك لتريبني فقال زيد : ما يُريبك من يدي ؟ إنها الشمال . فقال الأعرابي : والله ما أدري ، اليمين يقطعون أو الشمالَ ؟ فقال زيد بن صوحان{[13792]} صدق الله : { الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ }

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِي ، حدثنا سفيان ، عن أبي موسى ، عن وهب بن مُنَبِّه ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سكن البادية جفا ، ومن اتبع الصيد غَفَل ، ومن أتى السلطان افتتن " .

ورواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي من طرق ، عن سفيان الثوري ، به{[13793]} وقال الترمذي : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث الثوري .

ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث الله منهم رسولا وإنما كانت البعثة من أهل القرى ، كما قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } [ يوسف : 109 ] ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّ عليه أضعافها حتى رضي ، قال : " لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قُرشي ، أو ثَقَفي أو أنصاري ، أو دَوْسِيّ " {[13794]} ؛ لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن : مكة ، والطائف ، والمدينة ، واليمن ، فهم ألطف أخلاقًا من الأعراب : لما في طباع الأعراب من الجفاء .

حديث [ الأعرابي ]{[13795]} في تقبيل الولد : قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُرَيْب قالا حدثنا أبو أسامة وابن نُمَيْر ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أتقبِّلون صبيانكم ؟ قالوا : نعم . قالوا : ولكنا والله ما نقبِّل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وَأمْلكُ أن كان الله نزع منكم الرحمة ؟ " . وقال ابن نمير : " من قلبك الرحمة " {[13796]} وقوله : { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي : عليم بمن يستحق أن يعلمه الإيمان والعلم ، { حَكِيمٌ } فيما قسم بين عباده من العلم والجهل والإيمان والكفر والنفاق ، لا يسأل عما يفعل ، لعلمه وحكمته .


[13792]:- في ك : "صوخان".
[13793]:- المسند (1/357) وسنن أبي داود برقم (2859) وسنن الترمذي برقم (2256) وسنن النسائي (7/195).
[13794]:- رواه النسائي في السنن (6/279) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[13795]:- زيادة من ت ، ك ، أ.
[13796]:- صحيح مسلم برقم (2317).