صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجۡرَةٞ وَٰحِدَةٞ فَإِذَا هُمۡ يَنظُرُونَ} (19)

{ فإنما هي زجرة واحدة } أي فإنما البعثة صيحة واحدة ؛ من زجر الراعي غنمه ، صاح عليها . وهي نفخة البعث ، وسميت زجرة لأنها طرد بصوت ؛ كما تزجر الإبل والخيل عند السوق . { فإذا هم ينظرون } أي فإذا هم أحياء يبصرون كما كانوا في الدنيا .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجۡرَةٞ وَٰحِدَةٞ فَإِذَا هُمۡ يَنظُرُونَ} (19)

ثم سبب عن الوعد بتحتم كونه ما يدل على أنه غاية في الهوان فقال : { فإنما } أي يكون ذلك بسبب أنكم تزجرون فتقومون ، والزجرة التي يقومون بها إنما { هي زجرة } أي صيحة ، وأكد ما يفهمه من الوحدة لأجل إنكارهم تصريحاً بذلك وتحقيراً لأمر البعث في جنب قدرته سبحانه وتعالى فقال : { واحدة } وهي الثانية التي كانت الإماتة لجميع الأحياء في آن واحد بمثلها ، وأصل الزجر الانتهار ويكون لحث أو منع ، وإنما يكون ذلك للمقدور عليه فعل ما يغضب الزاجر ، فلذلك سمى الصيحة زجرة .

ولما كان هذا الكلام مؤذناً بالغضب ، حققه بصرف الكلام عن خطابهم جعلاً لهم بمحل البعد وتعميماً لغيرهم ، فقال معبراً بالفاء المسببة المعقبة وأداة المفاجأة : { فإذا هم } أي جميع الأموات بضمائرهم وظواهرهم القديم منهم والحديث أحياء { ينظرون * } أي في الحال من غير مهلة أصلاً ، ولا فرق بين من صار كله تراباً ومن لم يتغير أصلاً ، ومن هو بين ذلك ، ولعله خص النظر بالذكر لأنه لا يكون إلا مع كمال الحياة ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : " إذا قبض الروح تبعه البصر " وأما السمع فقد يكون لغير الحي لأنه صلى الله عليه وسلم قال في الكفار من قتلى بدر : " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " وشاهدت أنا في بلاد العرقوب المجاورة لبانياس من بلاد الشام شجرة شوك يقال لها الغبيراء متى قيل عندها " هات لي المنجل لأقطع هذه الشجرة " أخذ ورقها في الحال في الذبول - فالله أعلم ما سبب ذلك .