مَناة : وهي أقدم هذه الأصنام ، وكان صنمه منصوباً على ساحل البحر بناحية المشلل بِقَديدٍ ، بين المدينة ومكة . وكانت العرب جميعا تعظّمه وتذبح حوله . وكانت الأوسُ والخزرج تعظّمه أكثرَ من جميع العرب ، وكانوا يحلقون رؤوسهم عند مناة . وبعد فتح مكة أرسل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالب كرم الله وجهه فهدَمها وأخذ ما كان لها . وكان من جملة ما وجدَ عندها سيفان ، فوهبَهما الرسولُ إلى علي رضي الله عنه . والعرب تسمى : عبدَ مناة وزيدَ مناة ، وكانت أقدم الأصنام الثلاثة .
قرأ ابن كثير : مناءة بمدّ الألف والهمزة المفتوحة ، والباقون : مناة .
قوله تعالى : { ومناة } قرأ ابن كثير بالمد والهمزة ، وقرأ العامة بالقصر غير مهموز ، لأن العرب سمت زيد مناة وعبد مناة ، ولم يسمع فيها المد . قال قتادة : هي لخزاعة كانت بقديد ، قالت عائشة رضي الله عنها في الأنصار : كانوا يهلون لمناة ، وكانت حذو قديد . قال ابن زيد : بيت كان بالمشلل يعبده بنو كعب . قال الضحاك : مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة . وقال بعضهم : اللات والعزى ومناة : أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها . واختلف القراء في الوقف على اللات ومناة : فوقف بعضهم عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء . وما كتب بالهاء فيوقف عليه بالهاء . وأما قوله : { الثالثة الأخرى } نعت لمناة ، أي : الثالثة للصنمين في الذكر ، وأما الأخرى فإن العرب لا تقول : الثالثة الأخرى ، إنما الأخرى ها هنا نعت للثالثة . قال الخليل : فالياء لوفاق رؤوس الآي ، كقوله : { مآرب أخرى }( طه-18 ) ولم يقل : أخر . وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، مجازها : أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة . ومعنى الآية : أفرأيتم : أخبرونا يا أيها الزاعمون أن اللات والعزى ومناة بنات الله تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا . قال الكلبي
قوله تعالى : " ومناة الثالثة الأخرى " قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد والسلمي والأعشى عن أبي بكر " ومناءة " بالمد والهمز . والباقون بترك الهمز لغتان . وقيل : سمي بذلك ؛ لأنهم كانوا يريقون عنده الدماء يتقربون بذلك إليه . وبذلك سميت منى لكثرة ما يراق فيها من الدماء . وكان الكسائي وابن كثير وابن محيصن يقفون بالهاء على الأصل . الباقون بالتاء اتباعا لخط المصحف . وفي الصحاح : ومناة اسم صنم كان لهذيل وخزاعة{[14386]} بين مكة والمدينة ، والهاء للتأنيث ويسكت عليها بالتاء وهي لغة ، والنسبة إليها منوي . وعبد مناة بن أد بن طابخة ، وزيد مناة بن تميم بن مريمد ويقصر ، قال هَوبَر الحارثي :
ألا هل أتَى التَّيْمَ بن عبد مَنَاءة *** على الشِّنءِ فيما بيننا ابنُ تميم
قوله تعالى : " الأخرى " العرب لا{[14387]} تقول للثالثة أخرى وإنما الأخرى نعت للثانية ، واختلفوا في وجهها ، فقال الخليل : إنما قال ذلك لوفاق رؤوس الآي ، كقوله : " مآرب أخرى " [ طه : 18 ] ولم يقل أخر . وقال الحسين بن الفضل : في الآية تقديم وتأخير مجازها أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة . وقيل : إنما قال " ومناة الثالثة الأخرى " لأنها كانت مرتبة عند المشركين في التعظيم بعد اللات والعزى فالكلام على نسقه . وقد ذكرنا عن ابن{[14388]} هشام : أن مناة كانت أولا في التقديم ؛ فلذلك كانت مقدمة عندهم في التعظيم ، والله أعلم . وفي الآية حذف دل عليه الكلام ، أي أفرأيتم هذه الآلهة هل نفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله .
{ ومناة } وهو صخرة لهذيل وخزاعة ، ودل على أنها عندهم بعدهما في الربوبية بقوله مشيراً بالتعدد بالتعبير عنه بما عبر به إلى أن شيئاً منها لا يصلح لصالحة حتى ولا أن يذكر : { الثالثة الأخرى * } أي إنه ما كفاهم في خرق سياج منها العقل في مجرد تعديد الإله بجعله الاثنين حتى أضافوا ثالثاً أقروا بأنه متأخر الرتبة فكان الإله عندهم قد يكون سافلاً ويكون ملازماً للإنزال وللسفول بكونه أنثى ، قال الرازي في اللوامع : وأنثوا أسماءها تشبيهاً لها بالملائكة على زعمهم بأنها بنات الله - انتهى ، ولا شك عند من له أدنى معرفة بالفصاحة أن هذا الاستفهام الإنكاري والتعبير بما شأنهم بالولادة التي هي أحب الأشياء إلى الإنسان بل الحيوان لا يوافقه أن يقال بعده ما يقتضي مدحاً بوجه في الوجوه ، فتبين بطلان ما نقل نقلاً واهياً من أنه قيل حين قرئت هذه السورة في هذا المحل : تلك الغرانيق العلا - إلى آخره لعلم كل عربي أن ذلك غاية في الهذيان في هذا السياق ، فلا وصلة بهذا السياق المعجز بوجه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.