{ والبحر المسجور } أي المملوء ماء . يقال : سجر النهر ، ملأه . وهو البحر المحيط ؛ والمراد الجنس . وقيل : الموقد نارا عند قيام الساعة ؛ كما قال تعالى : " وإذا البحار سجرت " {[330]} . أي أوقدت نارا ؛ من سجر التنور يسجره
سجرا ، أحماه . وصف البحر بذلك إعلاما بأن البحار عند فناء الدنيا تحمى بنار من تحتها فتتبخر مياهها ، وتندلع النار في تجاويفها وتصير كلها حمما .
{ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ } أي : المملوء ماء ، قد سجره الله ، ومنعه من أن يفيض على وجه الأرض ، مع أن مقتضى الطبيعة ، أن يغمر وجه الأرض ، ولكن حكمته اقتضت أن يمنعه عن الجريان والفيضان ، ليعيش من على وجه الأرض ، من أنواع الحيوان وقيل : إن المراد بالمسجور ، الموقد الذي يوقد [ نارا ] يوم القيامة ، فيصير نارا تلظى ، ممتلئا على عظمته وسعته من أصناف العذاب .
" والبحر المسجور " قال مجاهد : الموقد ؛ وقد جاء في الخبر : ( إن البحر يسجر يوم القيامة فيكون نارا ) . وقال قتادة : المملوء . وأنشد النحويون للنمر بن تولب :
إذا شاءَ طالعَ مَسْجُورَةً *** ترى حولَها النَّبْعَ والسَّاسَمَا{[14282]}
يريد وَعْلاً يطالع عينا مسجورة مملوءة . فيجوز أن يكون المملوء نارا فيكون كالقول المتقدم . وكذا قال الضحاك وشمر بن عطية ومحمد بن كعب والأخفش بأنه الموقد المحمي بمنزلة التنور المسجور . ومنه قيل : للمسعر مسجر ، ودليل هذا التأويل قوله تعالى : " وإذا البحار{[14283]} سجرت " [ التكوير : 6 ] أي أوقدت ، سجرت التنور أسجره سجرا أي أحميته . وقال سعيد بن المسيب : قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود : أين جهنم ؟ قال : البحر . قال ما أراك إلا صادقا ، وتلا : " والبجر المسجور " . " وإذا البحار سجرت " [ التكوير : 6 ] مخففة . وقال عبدالله بن عمرو : لا يتوضأ بماء البحر لأنه طبق جهنم . وقال كعب : يسجر البحر غدا فيزاد في نار جهنم ، فهذا قول{[14284]} وقال ابن عباس : المسجور الذي ذهب ماؤه . وقاله أبو العالية . وروى عطية وذو الرمة الشاعر عن ابن عباس قال : خرجت أمة لتستقي فقالت : إن الحوض مسجور أي فارغ ، قال ابن أبي داود : ليس لذي الرمة حديث إلا هذا . وقيل : المسجور أي المفجور ، دليله : " وإذا البحار فجرت{[14285]} " [ الانفطار : 3 ] أي تنشفها الأرض فلا يبقى فيها ماء . وقول ثالث قاله علي رضي الله عنه وعكرمة . قال أبو مكين : سألت عكرمة عن البحر المسجور فقال : هو بحر دون العرش . وقال علي : تحت العرش فيه ماء غليظ . ويقال له بحر الحيوان يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحا فينبتون في قبورهم . وقال الربيع بن أنس : المسجور المختلط العذب بالملح .
قلت : إليه يرجع معنى " فجرت " في أحد التأويلين ، أي فجر عذبها في مالحها : والله أعلم . وسيأتي . وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : المسجور المحبوس .
ولما كان الماء أقوى من كل ما تقدم ، ختم به فقال : { والبحر المسجور * } أي الذي فيه من الماء أكثر من{[61506]} ملئه وهو ساجره أي مانعه - كما يمنع الكلب بساجوره عن الانسباح ، ولو أراد خلاه فاندفق فجرى فأهلك ما مر عليه من جبل وكتاب{[61507]} وبيت كما شوهد لما شجره سبحانه لبني إسرائيل فانفلق ، ونشفت أرضه ثم لما أراد سببه أن آل فرعون فعذبهم به فأهلكهم حتى لم يبق منهم أحد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.