الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَلَمۡ يَزِدۡهُمۡ دُعَآءِيٓ إِلَّا فِرَارٗا} (6)

- قوله ( قال رب إني دعوت قومي ( ليلا ونهارا ) {[70549]} . . . . ) ، إلى قوله : ( ضلالا )[ 5-25 ] .

أي : قال نوح لما بلغ رسالة ربه قومه فعصوه {[70550]} : يا رب إني دعوت قومي إلى توحيدك ليلا ونهارا وحذرتهم عقابك على كفرهم بك فلم يزدهم دعائي( لهم ) {[70551]} إلا إدبارا عن قبول ما جئتهم به . قال قتادة : بلغنا أنهم كانوا يذهب الرجل منهم {[70552]} بابنه إلى نوح فيقول لابنه : احذر هذا [ لا يغويك ] {[70553]} فإن أبي قد ذهب بي إليه وأنا مثلك فحذرني كما حذرتك {[70554]} .

من رواية ابن شعبان {[70555]} عن المنهال بن عمرو {[70556]} عن عبد الله بن الحارث {[70557]} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يجمع الله الأولين والآخرين {[70558]} ، وينزل الله في ظلل من الغمام فيكون أول من يقضي له نوح وقومه ، يقول الله لقوم نوح : ماذا أجبتم المرسلين ؟ قال : فيقول نوح : أي رب ، بلغتهم رسالتك ودعوتهم ليلا ونهارا فكذبوني اتهموني ، فيقول الله لقوم نوحاذا تقولون ؟ فيقولون : ربنا ما بلغنا الرسالة ، وقد كان فينا حتى خلت قرون ( بعد قرون ) {[70559]} ، وقد كتم الرسالة فلم يدعنا ولم ينذرنا ، فيقول الله لنوح : ماذا تقول ؟ فيقول : رب لي بينة ، فيقول الله : إيت ببينتك {[70560]} . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فيأتي نوح فيقول : يا محمد ، أسألك الشهادة ، فإن قومي قد كذبوني عند ربي وجحدوا ، قال النبي عليه السلام : فأبعث معه رهطا من أمتي يشهدون له . قال : فينطلق الرهط حتى يقفوا على الرب ، فيقول الله لهم : بم تشهدون ؟ فيقولون : نشهد أن نوحا قد بلغ قومه ودعاهم ليلا ونهارا وسرا وعلانية فكذبوه واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا .

فيقول الله لقوم نوح : ماذا تقولون ؟ ( فيقولون ) {[70561]} : ربنا {[70562]} ، كيف يقبلون علينا ونحن أول الأمم وهم آخر الأمم ؟ فيقول للرهط {[70563]} : أجيبوهم {[70564]} ، فيقول ( الرهط ) {[70565]} : ربنا ، بعثت إلينا رسولا من أنفسنا فآمنا به وصدقنا ما أنزلت عليه من الكتاب ، فكان فيما أنزلت عليه أنك أرسلت نوحا إلى قومه فبلغهم الرسالة ودعاهم ليلا ونهارا وسرا وعلانية فكذبوه ، قال : فيقرأون سورة " نوح " ، فيقول قوم نوح : خصمنا فقوموا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فما من نبي يكذبه قومه إلا يأتينا {[70566]} ، فأبعث معه رهطا من أمتي يشهدون له وأنا عليهم[ شهيد ] {[70567]} .


[70549]:- ساقط من أ. وبعد هذه الآية قوله تعالى: (فلم يزدهم دعاءي إلا فرارا)
[70550]:- ث: فصوه.
[70551]:- ساقط من أ.
[70552]:- أ: بلغنا أن الرجل منهم كان يذهب. وهو صحيح أيضا، غير أن ما في المتن أقرب إلى ما في جامع البيان.
[70553]:- م: لا يغربك.
[70554]:- انظر: جامع البيان 29/92 والدر 8/289.
[70555]:- لعله أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان المصري المعروف بابن القرطبي الفقيه، انتهت إليه رئاسة المالكية بمصر، أخذ عن أبي بكر بن صدقة، وعنه أبو القاسم الغافقي، وكان كثير الحديث، له: أحكام القرآن. ت:355 هـ. انظر: ميزان الاعتدال 4/14 والديباج: 248 وشجرة النور. ولم أجد علما يكنى ابن شعبان غير من ذكرت.
[70556]:- هو المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي، وثقة غير واحد وتكلم فيه، روى عن أنس وأرسل عن زر بن حبيش وغيره، وروى عنه شعبة والمسعودي. انظر: طبقات ابن خياط: 160، وميزان الاعتدال 4/192، وتهذيب التهذيب 10/319.
[70557]:- هو أبو الوليد عبد الله بن الحارث الأنصاري البصري نسيب ابن سيرين وختنه، ثقة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وعن أبي هريرة وابن عباس، وعنه عاصم وأبو أيوب السختياني. انظر: المحبر: 344، وتهذيب التهذيب 5/181.
[70558]:- أ،ث: يجمع الأولون والآخرون.
[70559]:- ساقط من أ.
[70560]:- أ: بيتتك
[70561]:- ساقط من أ.
[70562]:- ث: يا ربنا.
[70563]:- ث: ارهط.
[70564]:- أ: اجيبهم.
[70565]:- ساقط من ث.
[70566]:- أ: يا تيني.
[70567]:- م: شهيدا: وهذا الحديث من رواية ابن شعبان عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث لم أقف عليه. ويشهد لمعناه ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله عز وجل (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) [هود:25] ح: 3339 عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يجيء نوح وأمته، فيقول الله تعالى: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب، فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح من يشهد لك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فنشهد أنه قد بلغ، وهو قوله جل ذكره: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) (البقرة 142) والوسط: العدل "وانظر: في هذا المعنى أحاديث أخرى في كتاب الزهد لابن المبارك: 557، وسنن ابن ماجة 2/1432 كتاب الزهد باب صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ح:4284، وجامع البيان 2/8 والتذكرة للقرطبي :348-350 والفتح 6/372 و 8/171-172.