تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَمۡ يَزِدۡهُمۡ دُعَآءِيٓ إِلَّا فِرَارٗا} (6)

الآية 6 : وقوله تعالى : { فلم يزدهم دعائي إلا فرارا } أصل هذا أن عداوتهم كانت قد استبدت بنوح عليه السلام وكانوا قد استثقلوه ، وأبغضوا كلامه ، فحدث لهم ببغضهم{[22164]} كلامه واستثقالهم إياه معنى حملهم على الفرار ، فنسب ذلك إلى الدعاء ؛ لأن حدوث ذلك المعنى كان عند وجود الدعاء ، فنسبه{[22165]} إلى الدعاء على معنى المجاورة والقرب لا أن يكون الدعاء في الحقيقة سببا لزيادة الفرار ، وهو كقوله تعالى : { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم }[ التوبة : 125 ] والقرآن لم يجعل سببا لزيادة الرجس ، ولكنهم لما أحدثوا بغضا عندما تلي عليهم القرآن ، فحدث لهم بذلك معنى حملهم على ذلك الوجه ، فأضيفت تلك الزيادة إلى القرآن ، إذ عند ذلك حدث ذلك السبب الزائد في الرجس ، فنسب إليه على معنى المجاورة ، وكقوله{[22166]} تعالى : { فاتخذتموه سخريا حتى أنسوكم ذكري }[ المؤمنون 110 ] وهم لم يكونوا ناسين{[22167]} ، بل كانوا ذاكرين{[22168]} ، يذكرونهم مرة بعد مرة ، لكن بغضهم إياهم واتخاذهم سخريا أوقع لهم النسيان ، فنسب إليهم الإنساء{[22169]} .

فعلى ذلك لما أبغضوا ، واستثقلوا كلامه ودعاءه أحدث لهم ذلك البغض زيادة نفار وجحود . ثم سبب النفار إلى الدعاء الوجه الذي ذكرنا لا{[22170]} أن يكون الدعاء في الحقيقة منفرا{[22171]} .


[22164]:في م: بغضهم.
[22165]:الهاء ساقطة من الأصل و م.
[22166]:في الأصل و م: وقال.
[22167]:في الأصل و م: منسيين.
[22168]:في الأصل و م: مذكورين.
[22169]:في الأصل و م:الأشياء.
[22170]:في الأصل و م: إلا.
[22171]:في الأصل و م: منفر.