تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ} (89)

الآيتان 88 و89 ] وقوله تعالى : { يوم لا ينفع مال ولا بنون } { إلا من أتى الله بقلب سليم } لا ينفع ، ويضر ، لا يكون في نفي النفع دفع الضرر كقوله : { ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة } [ البقرة : 123 ] وكقوله : { إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم } [ المائدة : 36 ] وكذلك قوله : { لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا } [ لقمان : 33 ] وقوله : { يوم يفر المرء من أخيه } { وأمه وأبيه } [ عبس : 34 و35 ] وقوله : { يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه } { وصاحبته وأخيه } [ المعارج : 11 و12 ] وقوله : { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } [ المؤمنون : 101 ] .

وفي ظاهر ما استثنى من الآية دلالة أنه ينفع المال والبنون إذا أتوا بقلب سليم حين{[14702]} قال : { يوم لا ينفع مال ولا بنون } { إلا من أتى الله بقلب سليم } .

ويشبه أن يكون كذلك ينفعهم [ مالهم ]{[14703]} وأولادهم إذا أتوا ربهم بقلوب سليمة لما استعملوا أموالهم في الطاعات وأنواع القرب ، وعلموا الأولاد الآداب الصالحة والأخلاق الحسنة ، فينفعهم ذلك يومئذ كقوله : { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا } [ سبإ : 37 ] أخبر أنهم إذا آمنوا ، وتابوا ، تقربهم أموالهم وأولادهم عنده .

وجائز أن يكون على غير ذلك ، أي لا ينفع مال ولا بنون ، وإنما ينفع من أتى الله بقلب سليم . والقلب السليم هو السالم من الشرك ، أو السليم من الآفات والذنوب ، والخالص لربه ، لا يجعل لغيره فيه حقا ولا نصيبا . وشرط فيه إتيانه ربه ما ذكر ليعلم أنه ما لم يقبض على السلامة والتوحيد لا ينفعه ما كان منه من قبل من الطاعات إذا لم يقبض على التوحيد .

وكذلك شرط في الحسنات الإتيان ، فقال : { من جاء بالحسنة فله } [ الأنعام : 160 ] كذا ، ولم يقل : من عمل بالحسنة . وهو ما ذكرنا أن يخرج من الدنيا على التوحيد ، ولا يفيد ما عمل من الحسنات ، والله أعلم .


[14702]:- في الأصل وم: حيث.
[14703]:- ساقطة من الأصل وم.