تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (74)

الآية 74 وقوله تعالى : { يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) وقوله : { يختص برحمته من يشاء } [ هاتان الآيتان ]{[3989]} على المعتزلة لأنهم يقولون : إن الفضل ليس بيد الله ، وكذلك الاختصاص ، إنما ذلك بيد الخلق ، لأن من قولهم : ليس{[3990]} على الله أن يفعل بالخلق إلا [ ما ]{[3991]} هو أصلح لهم في الدين ، ليس له أن يؤتي أحدا فضلا ، ولا له أن يختص أحدا برسالته إلا من هو مستحق لذلك ، مستوجب له ، فذلك الفضل والاختصاص إنما استوجبوا بأنفسهم لا بالله على قولهم . ففي الحقيقة الفضل عندهم كان بيدهم لا بيد الله ، فأكذبهم الله بذلك ، إذ الفضل عند الخالق{[3992]} ، هو فعل ما ليس عليه ، لا ما عليه ، فنعوذ بالله من السرف في القول والزيغ عن الرشد .

وقوله تعالى : { قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } وقوله : { والله يختص برحمته من يشاء } ينقض على المعتزلة قولهم بوجهين :

أحدهما : أنهم لا يرون لله أن يختص أحدا بشيء فيه صلاح غيره ، ويصرفه{[3993]} عن ذلك [ الغير ، بل إن فعل ذلك ]{[3994]} كان محابيا عندهم وبخيلا ، بل في الابتداء لم يكن له ذلك ، وإنما يعطي بالاستحقاق ، وذلك حق يلزمه ، وقد ذكره{[3995]} بحرف الامتنان ، وعندهم أيضا ليس له [ ألا يشاء ]{[3996]} أو لا يعطي ، فلا معنى لذكره الذي ذكر مع ما صار ذلك ، والله أعلم .

والثاني : أن الذي يحق أن يبذل كلا الأصلح في الدين ، وأنه إن قصر أحدا عن ذلك كان جائزا{[3997]} ، ثم الأفضل للعبد بشيء مما أعطي حتى يعطيه في ما أمره ، فيكون الفضل في الحقيقة في يد العبد ، يؤتي نفسه إن شاء والله الموفق .


[3989]:في الأصل وم: هذه الآية.
[3990]:أدرج قبلها في الأصل وم: أن.
[3991]:من م، ساقطة من الأصل.
[3992]:في الأصل وم: الخلق.
[3993]:في الأصل وم: صرفه.
[3994]:من م، ساقطة من الأصل.
[3995]:في الأصل وم: ذكر.
[3996]:من م، في الأصل: الأشياء.
[3997]:في الأصل وم: جائزا.