تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشۡتَرُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَأَيۡمَٰنِهِمۡ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيۡهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (77)

الآية 77 وقوله تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله } قيل : عهد الله أمره ونهيه ، ويحتمل{[3999]} هذا العهد في ما عاهدوا{[4000]} في التوراة ألا يكتموا بعثه وصفته ، ولكن يظهرون ذلك للناس ، ويقرون به { وأيمانهم ثمنا قليلا } وأيمانهم التي حلفوا كذبا أن ليس بعثه وصفته فيه مخافة ذهاب منافعهم ، ويحتمل أن حلفوا كذبا ، فأخذوا أموال الناس بالباطل والظلم . وعلى ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

[ أنه ]{[4001]} قال : ( من حلف على يمين [ بإثم ليقتطع بها ]{[4002]} مال امرئ مسلم لقي الله تعالى ، وهو عليه غضبان ) [ البخاري : 4549 و 4550 ] وتلا هذه الآية : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم } الآية ، والعهد والأيمان سواء{[4003]} ، ألا ترى إلى قوله { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان } الآية ؟ [ النحل : 91 ] ويحتمل عهد الله ما قبلوا عن الله ، وما ألزمهم الله ، والأيمان ما حلفوا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { أولئك لا خلاق لهم في الآخرة } [ أي ]{[4004]} لا نصيب لهم في الآخرة مما ذكروا أن لهم عند الله من الخيرات والحسنات كقوله : { حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } [ التوبة : 69 ] .

وقوله تعالى : { ولا يكلمهم الله } يحتمل وجوها{[4005]} :

أنه أراد بذلك كلام الملائكة الذين يأتون المؤمنين بالتحية والسلام من ربهم كقوله : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب } { سلام عليكم بما صبرتم } [ الرعد : 23 ة 24 ] [ وكقوله ]{[4006]} { يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } الآية [ النحل : 32 ] وقوله : { ولا يكلمهم } الملائكة على ما يكلم المؤمنين{[4007]} ، أضاف ذلك إلى نفسه على ما ذكرنا في ما تقدم من إضافة النصرانية على إرادة أوليائه ، فكذلك هذا ، أو أن يكون الله جل وعلا كان قد كلمهم بتكليم الملائكة إياهم لأنهم رسله ، فكان كقوله : { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا } [ الشورى : 51 ] صيره ببعث الرسل كأن قد كلمهم هو ، فكذلك الأول .

ويحتمل أن يكون الله جل وعلا يكرم المؤمنين في الجنة بكلامه على ما كلم موسى{[4008]} في الدنيا ، فلا يكلمهم كما كلم المؤمنين .

ويحتمل لا يكلمهم بالرحمة سوى أن يقول لهم : { قال اخسئوا فيها ولا تكلمون } [ المؤمنين : 108 ] كقوله{[4009]} : { ولا ينظر إليهم يوم القيامة } .

وقوله تعالى : { ولا ينظر إليهم } نظر رحمة كما ينظر إلى المؤمنين بالرحمة ، وقوله تعالى : { ولا يزكيهم } أي لا يجعل لخيراتهم ثوابا ، ويحتمل أن يكون هذا في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا ، فقال : { ولا يزكيهم } أي لا يزكي{[4010]} أعمالهم .


[3999]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[4000]:في الأصل وم: عهدوا.
[4001]:ساقطة من الأصل وم.
[4002]:ساقطة من الأصل وم.
[4003]:من م، في الأصل: يكون سواء.
[4004]:من م، ساقطة من الأصل.
[4005]:في الأصل: وجهين، في م: وجهين يحتمل.
[4006]:من م، ساقطة ن الأصل.
[4007]:إشارة إلى قوله تعالى: {منهم من كلم الله} [البقرة: 203] وقوله تعالى: {وما كان لبشر أن كلمه الله إلا وحيا} [الشورى: 51]..
[4008]:إشارة إلى قوله تعالى: {وكلم الله موسى تكليما} [النساء: 164]..
[4009]:في الأصل وم: وكقوله.
[4010]:في الأصل وم: يزكو.