تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا تُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤۡتَىٰٓ أَحَدٞ مِّثۡلَ مَآ أُوتِيتُمۡ أَوۡ يُحَآجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (73)

الآية 73 يدل على ذلك قوله : { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } [ آل عمران : 73 ] في الحقيقة ، أي آمنوا به ظاهرا ، وأما في الحقيقة فلا تؤمنوا

{ إلا لمن تبع دينكم } .

وقوله تعالى : { قل إن الهدى هدى الله أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم } اختلف فيه : قيل : هو على التقديم والتأخير : قوله : { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } كان على إثر قوله : { ولا يؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } يقول بعضهم لبعض : ما أنزل الله كتابا مثل كتابكم ، ولا بعث نبيا مثل نبيكم ، قالوا ذلك حسدا منهم : إن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين لما نزل قوله : { إن الهدى هدى الله } قال لهم : { إن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } يقول : دين الله الإسلام ، وهو الدين { أن يؤتى } : يقول : لن { يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } من دين الإسلام والكتاب الذي فيه الحلال والحرام ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون قال : [ لم يؤت ]{[3979]} أحد من الأنبياء قبلي من الآيات مثل ما أوتيت أنا ، لأن آياتهم كانت كلها حسية يفهمها كل واحد ، وآيات رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت حسية وعقلية لا يفهمها كل أحد إلا الخواص من الناس وخيرتهم .

وقوله تعالى : { أو يحاجوكم عند ربكم } راجع إلى قوله : { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } فيحاجوكم { به عند ربكم } أنهم قد آمنوا به مرة ، وأقروا له ، وهو كقوله : { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم } [ البقرة : 76 ] ، إنهم كانوا يظهرون لهم الإسلام والإيمان ، ثم إذا { خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون } [ البقرة : 14 ] ، فقال بعضهم لبعض : تظهرون{[3980]} لهم الإسلام ، فيحاجوكم عند ربكم في الآخرة ؟

قال الشيخ ، رحمه الله في قوله : { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } يحتمل : أن يكون في السر ، وإن أعطيتهم لهم الظاهر ، ويحتمل : أن يكون بعد ما أظهرتم { واكفروا آخره } ، ويحتمل : لا تؤمنوا بما جاء به إلا لأجل من تبع دينكم ، فيكون عندهم قدرة ، يثقون عندهم بالذي فعلتم : أنكم أهل الحق ، فيتبعكم كيف ما تصرون إليه ، ويحتمل : لا تؤمنوا ؛ لا تصدقوا في ما يخبركم عن أواولكم { إلا من تبع دينكم } على المنع عن تصديق الرسول في ما يخبرهم من التحريف والتبديل .

وقوله تعالى : { إن الهدى هدى الله } يحتمل وجوها :

أحدها{[3981]} : البيان : هو ما بين الله ؛ إذ هو الحق ، وكل ما فيه الصرف عنه هو تلبيس وتمويه .

والثاني{[3982]} : أن يكون الدين هو الذي دعا إليه بما أوضحه ، وأنار برهانه ، لا الدين الذي دعا إليه المتحرفون { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } أي لن يؤتى ، والله أعلم ، من الكتاب والحجج .

والثالث{[3983]} : أن يكون صلة قوله : { إن الهدى هدى الله } وهو دينه ، أو القرآن ، او ما دعا إليه ، ثم يقول : { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم }أهل الإسلام من الحجج والبينات{[3984]} التي توضح أن الحق في أيديكم .

وقوله تعالى : { أو يحاجوكم عند ربكم } فإن كان هو صلة الأول ف : أو بمعنى : ل{ يحاجوكم } أو حتى { يحاجوكم } إذا آمنتم بما دعوا إليه ، فيحاجوكم بذلك { عند ربكم } أي إذا{[3985]} آمنتم بالذي جاءكم من عند ربكم ، فيصير ذلك لهم حجة عليكم ، وإن كان صلة الثاني فهو أنهم لا يؤتون { مثل ما أوتيتم } من الحجج ليحاجوكم بها عند ربكم في الذي هو عليه حق لما قد ظهر تعنتهم وتحريفهم ، والله أعلم ، ثم بين السبب الذي هو نيل كل خير وفضل ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } وقوله : { والله يختص برحمته من يشاء } ينقض على المعتزلة قولهم بوجهين :

أحدهما : أنهم لا يرون لله أن يختص أحدا بشيء فيه صلاح غيره ، ويصرفه{[3986]} عن ذلك [ الغير ، بل إن فعل ذلك ]{[3979]} كان محابيا عندهم وبخيلا ، بل في الابتداء لم يكن له ذلك ، وإنما يعطي بالاستحقاق ، وذلك حق يلزمه ، وقد ذكره{[3980]} بحرف الامتنان ، وعندهم أيضا ليس له [ ألا يشاء ]{[13]} أو لا يعطي ، فلا معنى لذكره الذي ذكر مع ما صار ذلك ، والله أعلم .

والثاني : أن الذي يحق أن يبذل كلا الأصلح في الدين ، وأنه إن قصر أحدا عن ذلك كان جائزا{[14]} ، ثم الأفضل للعبد بشيء مما أعطي حتى يعطيه في ما أمره ، فيكون الفضل في الحقيقة في يد العبد ، يؤتي نفسه إن شاء والله الموفق .


[13]:- في ط م: التكبير.
[14]:- في ط ع: معه، ساقطة من الأصل.
[3979]:في الأصل وم: لن يؤتى.
[3980]:في الأصل وم: تظهروا.
[3981]:ساقطة من الأصل وم.
[3982]:في الأصل وم: ظهرت.
[3983]:إشارة إلى قوله تعالى: {بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا} [...] [البقرة: 90] وقوله: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفرا حسدا} [البقرة: 109] وقوله {وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم} [...] [البقرة: 213].
[3984]:من م، ساقطة من الأصل.
[3985]:في الأصل وم: ويحتمل.
[3986]:في الأصل وم: عفوا.