تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مَنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِقِنطَارٖ يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِدِينَارٖ لَّا يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيۡكَ إِلَّا مَا دُمۡتَ عَلَيۡهِ قَآئِمٗاۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَيۡسَ عَلَيۡنَا فِي ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ سَبِيلٞ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

الآية 75 وقوله تعالى : { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك } والقنطار ما تقدم ذكره { ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } وصف جل وعلا أهل الكتاب بعضهم بأداء الأمانة وبعضهم بالخيانة ، وليس المراد من الآية /62-ب/ والله أعلم ، القنطار نفسه والدينار ، ولكن وصفهم بأن فيهم أمانة وخيانة ، قلت الخيانة ، أو عظمت ، وكذلك الأمانة . ألا ترى أنه يستحق الذم بدون القنطار والدينار إذا خان ، وكذلك يستحق الحمد إذا أدى بدون ذلك ؟ دل أنه لم يرد به التقدير ، ولكن على التمثيل ، وهو كقوله جل وعلا : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره }

[ الزلزلة : 7 ] ليس على إرداة الذرة ، ولكن على التمثيل لعمل الخير والشر جزاء وإن قل ، فذلك الأول .

وفيه دلالة جواز العمل بالاجتهاد ، ولما ذكرنا أنه لم يرد القدر الذي ذكره ، ولكن لمعنى فيه بالاجتهاد يعرف ، لا بالنصوص . وعلى الشافعي رضي الله عنه أن الدينار مستكثر يحلف عليه مدعيه عند المنبر ، والله تعالى جعله مستقلا . وفيه دلالة أيضا : جواز شهادة بعضهم لبعض وعلى بعض ، إن كانت فيهم نزلت على ما قاله بعض أهل التأويل لأنه وصف جل وعلا بعضهم بالأمانة بالمال ، وإن كانت الأمانة لهم في الدين ، والشهادة أمانة ، والله أعلم . ويحتمل في من أسلم منهم وصفه بالأمانة ، ومن لم يسلم وصفه بالخيانة في غير آية من غير رهن ولا كفالة ، وهو كقوله : { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } [ البقرة : 283 ] أمرهم بأداء الأمانة في ما ائتمنوا .

وقوله تعالى : { إلا ما دمت عليه قائما } قيل : ملازما مواظبا دائما متقايضا ، ومن عامل من الناس المسلمين الناس هذه المعاملة يخاف دخلوه في هذا النهي والوعيد .

وقوله تعالى : { ذالك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل } قالوا ذلك لأنهم كانوا يستحلون أموال المسلمين ظلما ، يقولون : لم يجعل علينا في كتابنا لأموالهم حرمة أموالنا علينا ، يقولون : { نحن أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] أراد بالأميين العرب إذ ليس لهم كتاب ، وقيل : ذلك الاستحلال بأن قالوا ليس علينا لله فيهم سبيل ، وأرادوا بالأميين المسلمين على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه ]{[3998]} قال : ( نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب ) [ البخاري : 1913 ] وقيل : قالوا لا حرج علينا في حبس أموالهم في التوراة ، فأكذبهم الله جل وعلا بقوله : { ويقولون على الله الكذب } بأن ليس في كتابهم حرمة أموالهم ولا لهم عليهم سبيل { وهم يعلمون } أنهم يكذبون على الله جل وعلا .


[3998]:ساقطة من الأصل وم.