تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَنُزُلٞ مِّنۡ حَمِيمٖ} (93)

الآيتان 88- 94 وقوله تعالى : { فأما إن كان من المقربين } { فروح وريحان وجنات نعيم } [ { وأما إن كان من أصحاب اليمين } { فسلام لك من أصحاب اليمين } { وأما إن كان من المكذبين الضالين } { فنزل من حميم } { وتصلية جحيم } ]{[20529]} اختلف في وقت ما ذكر لمن ذكر ذلك .

قال بعضهم : إن ذلك : [ { فأما إن كان من المقربين } { فروح وريحان وجنات نعيم } { وأما إن كان من أصحاب اليمين } { فسلام لك من أصحاب اليمين } ]{[20530]} [ الآيات : 88 – 91 ] يقال للمؤمنين{[20531]} عند الموت بشارة لهم بما يكون لهم في الجنة .

ومنهم من يقول : إنما يقال ذلك إذا دخل هؤلاء الجنة وأولئك النار ؛ أعني الكافرين ، وهو ما ذكر : { وأما إن كان من المكذبين الضالين } { فنزل من حميم } { وتصلية جحيم } [ الآيات : 92 إلى 94 ] .

وجائز أن يكون يقال ذلك للمؤمنين{[20532]} عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة [ وهو ]{[20533]} وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم { ومن }{[20534]}عنده في الجنة ومكانهم لديه على ما كانوا في الدنيا : المقربون عنده ومكانهم لديه أقرب من مكان غيرهم من المؤمنين .

فعلى ذلك يخبر أن السابقين في الإجابة يكونون في الآخرة عنده أقرب . ويكون قوله : { فروح وريحان } أي يستأنس هو بهم ، ويستأنسون به ، لا يفارقونه ، ولا يفارقهم ، على ما كانوا في الدنيا .

وسائر المؤمنين يسلمون عليه في أوقات ، وهو ما ذكر : { فسلام لك من أصحاب اليمين } [ الآية : 91 ] على ما كانوا يفعلون في الدنيا ، وهو أقرب من الوجهين اللذين ذكرناهما .

ويحتمل ما ذكروا من البشارة عند الموت ؛ أعني المؤمنين والكافرين :

في حق المؤمنين [ قوله تعالى ]{[20535]} : { فأما إن كان من المقربين } { فروح وريحان وجنات نعيم } { وأما إن كان من أصحاب اليمين } [ { فسلام لك من أصحاب اليمين } ]{[20536]} [ الآيات : 88 – 91 ] .

وفي حق الكفرة [ قوله تعالى ]{[20537]} : { وأما إن كان من المكذبين الضالين } { فنزل من حميم } { وتصلية جحيم } [ الآيات : 92 - 94 ] .

ويحتمل [ ما ]{[20538]} ذكر بعضهم أن ذلك يقال لهم بعد ما دخل أهل الجنة الجنة وأصحاب النار النار ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فروح وريحان وجنات نعيم } اختلف في تلاوته [ وتأويله ]{[20539]} .

أما تلاوته [ فقد ]{[20540]} روي عن عائشة رضي الله عنها [ أنها ]{[20541]} قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذا الحرف : فروح وريحان ؛ يعني بضم{[20542]} الراء ، وعن الحسن أنه قرأها بالضم أيضا ، وعن الضحاك بفتح الراء ، وعليه جميع القراء .

وقال أبو عبيد : لولا كراهة خلاف الأمة وإلا ما قرأتها إلا بالضم ، ولكن لا أجد عليها أحد ، فأستوحش من مفارقة الناس ، ولا يجمع الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الضلالة .

وأما تأويله فعلى قراءة الرفع عن الحسن [ أنه ]{[20543]} قال : الروح الرحمة ، والريحان ريحانها ، وعن أبي عبيد [ أنه ]{[20544]} قال : بالرفع هي{[20545]} الحياة والبقاء ، وعن الضحاك بالفتح : الروح الاستراحة ، والريحان الرزق .

وقال بعضهم : الروح كناية عن دوام النعمة والسعة ؛ يقال : فلان في روح إذا كان في سعة ونعمة ، والريحان كناية عن الشرف والمنزلة ؛ يقال : فلان ريحاني ، وذلك لشرفه ومنزلته . ومنهم من قال : الروح الراحة ، والريحان الرزق في الجنة .

وقال بعضهم : الروح بالرفع من الرحمة ، وبالنصب الراحة ، ونحن نقول : جائز أن يكونا جميعا بالنصب والرفع من الرحمة لقوله تعالى : { إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون }{[20546]} [ يوسف : 87 ] أي من رحمته وقوله{[20547]} في موضع آخر { وأيدهم بروح منه } [ المجادلة : 22 ] يخبر الله تعالى أن المقربين يكونون في رحمة الله ونعمته ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وأما إن كان من أصحاب اليمين }{ فسلام لك من أصحاب اليمين } [ الآيتان : 90 و91 ] يحتمل ما وصفنا أن أصحاب اليمين يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم ويحيّي بعضهم بعضا بالسلام .

ويحتمل { فسلام لك } [ أي السلامة لك ]{[20548]} منهم من جميع الآفات والأذى .

وذكر في حرف ابن مسعود رضي الله عنه : فسلام إنك من أصحاب اليمين . فهذا إن ثبت فهو يخرج على البشارة له عند الموت ، والله أعلم .

وقيل : يسلم عليهم الملائكة ، والله أعلم .


[20529]:في الأصل و م: إلى أخره.
[20530]:ساقطة من الأصل و م.
[20531]:في الأصل و م: لهم.
[20532]:في الأصل و م: لهم.
[20533]:ساقطة من الأصل و م.
[20534]:ساقطة من الأصل وم
[20535]:ساقطة من الأصل و م.
[20536]:في الأصل و م: كذا.
[20537]:ساقطة من الأصل و م.
[20538]:ساقطة من الأصل و م.
[20539]:من م، ساقطة من الأصل و م.
[20540]:ساقطة من الأصل و م.
[20541]:ساقطة من الأصل و م.
[20542]:انظر معجم القراءات القرآنية ج 7/70.
[20543]:ساقطة من الأصل و م.
[20544]:ساقطة من الأصل و م.
[20545]:في الأصل و م.
[20546]:انظر معجم القراءات القرآنية ج 3/189.
[20547]:في الأصل و م: وقال.
[20548]:من م، ساقطة من الأصل.