تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

الآية 4 وقوله تعالى : { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش } فإن كان خلق ما ذكر من السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام في{[20564]} الأيام التي تدور عليها أيام الدنيا ، وهي أيام الجمعة ، فإنما خلق في هذه الأيام كيان الأشياء وأصولها ، لا إنه خلق كلية الأشياء فيها وما يكون أبد الآبدين .

فعلى هذا التأويل يكون قوله تعالى : { ثم استوى على العرش } أي استوى أمره ، فخلق الممتحنين{[20565]} ، وهو البشر ؛ إذ المقصود بخلق هذه الأشياء كلها ، هم البشر ، ولهم أنشأ هذه الأشياء .

وإن كان المراد من قوله : { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش } أيام الدنيا التي كل يوم مقداره ألف سنة على ما ذكره في آية أخرى [ { في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدّون }[ السجدة : 5 ] ]{[20566]} فيكون ما ذكر من خلق السماوات والأرض وما بينهما خلق أصول الأشياء وكيانها وما يتولد منها ، بل يقع ذلك على الكل ، فيكون على هذا تأويل قوله : { ثم استوى على العرش } البعث أي استوى خلق ما خلق وإنشاء ما أنشأ من العالم بالبعث ما لولا ذلك البعث لم يكن إنشاء هذا العالم الأول حكمة ، والمقصود من إنشاء هذا العالم البعث . وبه يصير إنشاؤه حكمة ، فيكون به استواء الأمر .

ثم تأويل العرش يحتمل الملك [ أي ]{[20567]} استوى ملكه بخلق الممتحنين{[20568]} أو بالبعث الذي ذكرنا أول تفسير{[20569]} ما أراد بقوله : { استوى على العرش } لأنه لا يعلم ما أراد به إذ قال في ذلك : { فسئل به خبيرا } [ الفرقان : 59 ] أمر أن يسأل [ الممتحن ]{[20570]} به خبيرا ، ولم يرد في ذلك أن يسأل به الخبير عنه ، فلا يسع تفسيره ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها } [ يحتمل وجهين :

أحدهما : ]{[20571]} أي كثرة ذلك وازدحامه لا يلتبس عليه ، ولا يستر عنه شيء .

والثاني : يخبر أن السماء والأرض مع ثقلهما وكثافتهما لا يستران ، ولا يحجبان عليه الوالج فيهما والخارج منهما والنازل منهما ، ولا يحيطان{[20572]} بذلك ، ليعلم أن لا شيء يحجب عنه ، وألا يخفى عليه شيء ، ولا يعجزه شيء ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وهو معكم أين ما كنتم } هذا الحرف يخرج على وجهين :

أحدهما : { وهو معكم } أي عالم بكم وبأفعالكم ، ومحيط بكم ، وحافظ عليكم .

والثاني : { وهو معكم } يتوجه المعنى فيه لاختلاف الأحوال ؛ يقول : إن كنتم محبين خاضعين مطيعين فهو معكم بالنصر والمعونة على أعدائكم ، وإن كنتم معرضين عنه معاندين فهو معكم بالسلطان عليكم والانتقام منكم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { والله بما تعملون بصير } قال أهل التأويل : إن علمه وسلطانه وقدرته معكم أينما كنتم .

وأصله ما ذكر ، ا في ما تقدم أنه إذا ذكر ، جل ، وعلا ، بلا ذكر الخلق معه ، ولا ضم إليه أحد سواه يوصف بالأزل /548 - ب/ فيقال : لم يزل عالما قادرا خالقا بلا ذكر وقت ولا حد ولا شيء من المكان وغيره . وإذا ذكر معه شيء من الخلق يذكر على ما عليه أحوال الخلق من الوقت والمكان والأحوال للخلق دون الله تعالى ، فيقال : لم يزل عالما للخلق وقت كونهم ، لم يزل خالقا للعالم وقت كونه حتى لا يتوهم قدم المخلوق .

وعلى ذلك قوله تعالى : { حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } الآية [ محمد : 31 ] وقوله تعالى : { ليعلم الله من يخافه بالغيب } [ المائدة : 94 ] وقوله تعالى : { وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب }[ الحديد : 25 ] وقوله تعالى : { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع } الآية [ البقرة : 155 ] وقوله تعالى : { وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين } [ العنكبوت : 11 ] ونحوه مما كثر ذكره كذلك على ما عليه أحوال الخلق . فعلى هذا قوله تعالى : { وهو معكم أين ما كنتم } ولا قوة إلا بالله .


[20564]:في الأصل و م: ستة.
[20565]:في الأصل و م: الممتحن.
[20566]:ساقطة من الأصل و م.
[20567]:ساقطة من الأصل وم.
[20568]:في الأصل و م: الممتحن.
[20569]:في الأصل: نفس أنه.
[20570]:ساقطة من الأصل و م.
[20571]:ساقطة من الأصل و م.
[20572]:في الأصل و م: الإحاطة.