تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

[ سورة الحديد ]{[1]} مكية

الآية 1 قوله تعالى : { سبح لله ما في السماوات والأرض } يجوز أن يقرأ { سبح لله } و : سبح الله كما يقال في الكلام : شكر لله ، وشكر الله ، ونصح لله ، ونصح الله .

ويجوز أن يكون معناهما في الظاهر مختلفا ، ويتفق في الحقيقة والباطن لأن التسبيح ، هو التخليص والتنزيه والتبرئة . فمتى أضيف الفعل إلى الله تعالى ، ووقع عليه ، فيقال : سبح الله ، فمعناه أنه نزهه ، وبرأه عن جميع معاني الخلق ، وخلصه من شبه المخلوقين .

وإذا قيل : سبح لله فقد رفع الفعل عن الأشياء المخلوقة ، أي خلص الأشياء كلها [ له ، وبرأ صدورها ]{[20550]} عن غيره .

وإذا وصف{[20551]} بأن كل الأشياء له ، وهو المالك لها ، وهو عبيده ، ومماليكه خاضعون أذلاء ، فقد وصف بالغنى ونفي الحاجة عنه وأنه متبرئ عن الشبه بمماليكه ومخلوقاته ، فهما جميعا من هذا الوجه ينتظمان معنى واحدا .

وإن [ كانا مختلفين في الظاهر ]{[20552]} وفي الباطن مؤتلفين{[20553]} ، وإن الإسلام ، هو/548 –أ/ أن يجعل كل شيء من الخلق لله تعالى خالصا سالما له ، والإيمان ، هو التصديق بالربوبية له في كل شيء ، فمتى صدق لله تعالى بالربوبية في الخلق والأمر ، فقد جعل الخلق{[20554]} سالما له . فمتى جعله سالما له فقد صدقه بالربوبية ، فقد اتفقا من حيث المعنى ، وإن اختلفا من حيث الظاهر . فعلى ذلك هذا ، والله الموفق .

ثم يحتمل ما ذكر من التسبيح ، هو تسبيح الخلقة ؛ تشهد له خلقة كل شيء بالوحدانية والألوهية . فهذا على خلقة الكافر والمؤمن جميعا وغيرهما من المخلوقات .

ويحتمل أن يكون أراد الممتحنين الذي في السماوات والأرض ، ويرجع إلى تسبيح خاص ، وهو تسبيح النطق واللسان عن اختيار .

وجائز أن يرجع إلى كل ذي روح ، يجعل الله تعالى في سرية هذه الأشياء من التسبيح له ما يعلمه هو ، لا يعلمه غير إلا بإعلام الله تعالى إياه ذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وهو العزيز الحكيم } يخرج على وجوه :

أحدها : { العزيز } هو الذي أفقر الخلق ، وأحوجهم إليه ، و{ الحكيم } للأشياء المتقن لها .

[ والثاني ]{[20555]} : { العزيز } القاهر الغالب { الحكيم } هو العالم بالأشياء على حقيقتها .

[ والثالث ]{[20556]} : { العزيز } هو المالك كل ملك كقوله تعالى : { مالك الملك } [ آل عمران : 26 ] { الحكيم } الواضع كل شيء موضعه .


[1]:- في ط ع: سمح.
[20550]:في الأصل و م: وبرأها.
[20551]:في الأصل و م: أضيف.
[20552]:في الأصل و م: كان مختلفان.
[20553]:في الأصل و م: مؤتلفان.
[20554]:من م، في الأصل: خلق.
[20555]:في الأصل و م: أو.
[20556]:في الأصل و م: أو.