النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِي حَكَمٗا وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مُفَصَّلٗاۚ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّلٞ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (114)

قوله عز وجل : { أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } فيه وجهان :

أحدهما : معناه هل يجوز لأحد أن يعدل عن حكم الله حتى أعدل عنه .

والثاني : هل يجوز لأحد أن يحكم مع الله حتى أحتكم إليه .

والفرق بين الحَكَم والحَاكِم ، أن الحَكَمَ هو الذي يكون أهلاً للحُكْم فلا يَحْكُمُ إلا بحق ، والحَاكِمُ قد يكون من غير أهله فَيَحْكُمُ بغير حق ، فصار الحَكَم من صفات ذاته ، والحَاكِم من صفات فعله ، فكان الحَكَم أبلغ في المدح من الحَاكِم .

ثم قال : { وهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الكِتَابَ مُفَصَّلاً } في المفصَّل أربعة تأويلات :

أحدها : تفصيل آياته لتبيان{[944]} معانيه فلا تُشْكِل .

والثاني : تفصيل الصادق من الكاذب .

والثالث : تفصيل الحق من الباطل ، والهدى من الضلال ، قاله الحسن .

والرابع : تفصيل الأمر من النهي ، والمستحب من المحظور ، والحلال{[945]} من الحرام .

وسبب نزول هذه الآية أن مشركي قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : اجعل بيننا وبينك حَكَماً إن شئت من أحبار اليهود وإن شئت من أحبار النصارى ، ليخبرنا عنك بما في كتابهم من أمرك ، فنزلت عليه هذه الآية{[946]} .


[944]:- في ك: لتمتاز والصواب ما أثبتناه لأن التفصيل بمعنى البيان وليس بمعنى التمييز.
[945]:- في ك: المحظور والحرام.
[946]:- سقط من ق. وقد مضى تفسيرها في الآية 34 من هذه السورة.