تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِي حَكَمٗا وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مُفَصَّلٗاۚ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّلٞ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (114)

الآية 114 وقوله تعالى : { أفغير الله أبتغي حكما } ؟ كان أولئك الكفرة دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حكم يحكم بينهم في منازعة ، وقعت بينهم : إما في الرسالة وإما في الكتاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أفغير الله أبتغي حكما } ؟ ثم بين ، فقال : { وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا } كيف أبتغي حكما غير الله { وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا } ما تعلمون أنه نزل ما عجز الخلائق عن إتيان مثله ؟

ثم اختلف في قوله تعالى : { مفصلا } [ قيل { مفصلا } ]{[7648]} بالحجج والبراهين ما يعرف كل عاقل ، لم يكابر عقله ، أنه من عند الله نزل .

وقيل : { مفصلا } بالأمر والنهي والتحليل والتحريم ، فيقول : أأبتغي{[7649]} حكما غير ما أنزل الله ، وقد أنزل كتابا مفصلا ومبينا ، فيه وعد ووعيد ؟ وقيل : { مفصلا } مفرقا أي أنزله بالتفاريق ، لم ينزله مجموعا جملة ، ما يقع بمسامع كل أحد علم ذلك وبيانه . فأنى يقع إلى الحاجة إلى حكم غيره ؟

وقوله تعالى : { والذي آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق } اختلف فيه : قيل : { والذين آتيناهم الكتاب } أي{[7650]} أهل التوراة والإنجيل { يعلمون أنه منزل من ربك بالحق } وقيل : { والذين آتيناهم الكتاب } يعني من أعطى هذا الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق } لما عجزوا عن إتيان مثله وتأليفه .

وقوله تعالى : { فلا تكونن من الممترين } يحتمل { فلا تكونن من الممترين } أنهم قد غيروا ما في كتابهم من الأحكام ومن بعثك{[7651]} وصفتك . ويحتمل { فلا تكونن من الممترين } أنه من عند الله نزل ، مع علمه أن رسوله لا يكون من الممترين ، ليعلم الخلق أنه إذا نهى رسوله عن مثل هذا ، فغيره أحق أن يخاطب من طلب حكم غيره ، ويقول : { فلا تكونن من الممترين } أنه من عند الله .


[7648]:- ساقطة من الأصل وم.
[7649]:- في الأصل وم: أبتغي.
[7650]:- في الأصل وم: إلى.
[7651]:- في الأصل وم: نعتك.