الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَإِنَّا لَنَحۡنُ نُحۡيِۦ وَنُمِيتُ وَنَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثُونَ} (23)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وإنا لنحن نحي ونميت}: أنا أحيي الموتى، وأميت الأحياء،

{ونحن الوارثون}، يعني: ونميت الخلق ويبقى الرب تعالى ويرثهم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وإنّا لَنَحْنُ نُحْيي من كان ميتا إذا أردنا، ونُمِيتُ من كان حيّا إذا شئنا. "وَنحْنُ الوَارِثُونَ "يقول: ونحن نرث الأرض ومن عليها بأن نميت جميعهم، فلا يبقى حيّ سوانا إذا جاء ذلك الأجل.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون} أي الباقون، يفنى الخلق كله، فيبقى هو. ولذلك سمي من خلف الميت وارثا، لأنه يموت؛ ويبقى الوارث، وهو باق...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

هو الذي يحيي الخلق إذا شاء وكان ذلك صلاحا لهم، ويميتهم إذا أراد وكان صلاحهم،... وأنه هو الذي يرث الخلق، لأنه إذا أفنى الخلق ولم يبق أحد كانت الأشياء كلها راجعة إليه ينفرد بالتصرف فيها، وكان هو الوارث لجميع الأملاك...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وإنا لنحن نحيي من نشاء بإخراجه من العدم إلى وجود الحياة، وبرده عند البعث من مرقده ميتاً، ونميت بإزالة الحياة عمن كان حياً... وكل شيء هالك إلا وجهه لا رب غيره...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن هذا هو النوع السادس من دلائل التوحيد وهو الاستدلال بحصول الإحياء والإماتة لهذه الحيوانات على وجود الإله القادر المختار.

{وإنا لنحن نحيي ونميت}... لما ثبت بالدلائل العقلية أنه لا قدرة على خلق الحياة إلا للحق سبحانه، كان حصول الحياة للحيوان دليلا قاطعا على وجود الإله الفاعل المختار..

{وإنا لنحن نحيي ونميت} يفيد الحصر أي لا قدرة على الإحياء ولا على الإماتة إلا لنا،

{ونحن الوارثون} معناه: أنه إذا مات جميع الخلائق، فحينئذ يزول ملك كل أحد عند موته، ويكون الله هو الباقي الحق المالك لكل المملوكات وحده، فكان هذا شبيها بالإرث فكان وارثا من هذا الوجه.

لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 741 هـ :

{ونحن الوارثون}...لأن وجود الخلق وما آتاهم كان ابتداؤه منه تعالى فإذا فني جميع الخلائق رجع الذي كانوا يملكونه في الدنيا على المجاز إلى مالكه على الحقيقة، وهو الله تعالى.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

فلما تقرر تفصيل الخبر عما هو سبب للإحياء في الجملة، فتهيأت النفس للانتقال منه إلى الإحياء الحقيقي قياساً، قال تعالى: {وإنا لنحن نحيي} أي لنا هذه الصفة على وجه العظمة، فنحيي بها ما نشاء من الحيوان بروح البدن، ومن الروح بالمعارف، ومن النبات بالنمو، وإن كان أحدها حقيقة، والآخران مجاز إلا أن الجمع بينهما جائز {ونميت} أي لنا هذه الصفة، فنبرز بها من عظمتنا ما نشاء {ونحن الوارثون} أي الإرث التام إذا مات الخلائق، الباقون بعد كل شيء كما كنا ولا شيء، ليس لأحد فينا تصرف بإماتة ولا إحياء...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يتم السياق رجع كل شيء إلى الله، فيرد إليه الحياة والموت، والأحياء والأموات، والبعث والنشور. (وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون. ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين. وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم).. وهنا يلتقي المقطع الثاني بالمقطع الأول. فهناك قال: (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم، ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون).. وهنا يقرر أن الحياة والموت بيد الله، وأن الله هو الوارث بعد الحياة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما جرى ذكر إنزال المطر وكان مما يسبق إلى الأذهان عند ذكر المطر إحياءُ الأرض به ناسب أن يذكر بعده جنس الإحياء كله لما فيه من غرض الاستدلال على الغافلين عن الوحدانية، ولأن فيه دليلاً على إمكان البعث. والمقصود ذكر الإحياء ولذلك قُدم. وذكر الإماتة للتكميل. والجملة عطف على جملة {ولقد جعلنا في السماء بروجا} [سورة الحجر: 16] للدلالة على القدرة وعموم التصرف.

وضمير نَحْن ضمير فصل دخلت عليه لام الابتداء. وأكد الخبر ب (إنّ) واللاّم وضمير الفصل لتحقيقه وتنزيلاً للمخاطبين في إشراكهم منزلة المنكرين للإحياء والإماتة.ولما كان المشركون منكرين نوعاً من الإحياء كان توكيد الخبر مستعملاً في معنييه الحقيقي والتنزيلي. ومعنى الإرث هنا البقاء بعد الموجودات تشبيهاً للبقاء بالإرث وهو أخذ ما يتركه الميت من أرض وغيرها.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

{ونحن الوارثون}، وهذا القول يعني أن هناك تركة كبيرة؛ وهي هذا الكون الذي خلقه سبحانه ليستخلفنا فيه. ونحن لم نضف شيئاً لهذا الكون الذي خلقه الله؛ لأنك إن نظرت إلى كمية المياه أو الغذاء التي في الكون، وكل مقومات الحياة لما وجدت شيئاً يزيد أو ينقص؛ فالماء تشربه ليرويك، ثم يخرج عرقاً وبولاً؛ ومن بعد الموت يتحلل الجسم ليتبخر منه الماء، وهذا يجري على كل الكائنات. وحين يتناول الحق سبحانه في هذه الآية أمر الموت والحياة وعودة الكون في النهاية إلى منشئه سبحانه؛ فهو يحدثنا عن أمرين يعتريان حياة كل موجود؛ هما الحياة والموت، وكلاهما يجري على كل الكائنات؛ فكل شيء له مدة يحياها، وأجل يقضيه.

وكل شيء يبدأ مهمة في الحياة فهو يولد؛ وكل شيء ينهي مهمته في الحياة بحسب ما قدره الله له فهو يموت؛ وإن كنا نحن البشر بحدود إدراكنا لا نعي ذلك.وهو سبحانه القائل: {كل شيءٍ هالك إلا وجهه} (سورة القصص 88) إذن: فكل شيء يطلق عليه "شيء "مصيره إلى هلاك؛ ومعنى ذلك أنه كان حياً؛ ودليلنا على أنه كان حياً هو قول الحق: {ليهلك من هلك عن بينةٍ ويحيى من حي عن بينةٍ} (سورة الأنفال 42) وهكذا نعلم أن كل ما له مهمة في الحياة له حياة تناسبه؛ وفور أن تنتهي المهمة فهو يهلك ويموت، والحق سبحانه وتعالى يرث كل شيء بعد أن يهلك كل من له حياة، وهو سبحانه القائل: {إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} (سورة مريم 40) وهو بذلك يرث التارك والمتروك؛ وهو الخالق لكل شيء. ويختلف ميراث الحق سبحانه عن ميراث الخلق؛ بأن المخلوق حين يرث آخر؛ فهو يودعه التراب أولاً، ثم يرث ما ترك؛ أما الحق سبحانه فهو يرث الاثنين معاً، المخلوق وما ترك.