روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَإِنَّا لَنَحۡنُ نُحۡيِۦ وَنُمِيتُ وَنَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثُونَ} (23)

{ وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ } بإيجاد الحياة في بعض الأجسام القابلة لها { وَنُمِيتُ } بإزالتها عنها فالحياة صفة وجودية وهي كما قيل صفة تقتضي الحس والحركة الإرادية والموت زوال تلك الصفة ، وقال بعضهم : إنه صفة وجودية تضاد الحياة لظاهر قوله تعالى : { الذى خَلَقَ الموت } [ الملك : 2 ] وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك ، وقد يعمم الأحياء والإماتة بحيث يشمل الحيوان والنبات مثل أن يقال : المراد إعطاء قوة النماء وسلبها ، وتقديم الضمير للحصر ، وهو إما توكيد للأول ومبتدأ خبره الجملة بعده والمجموع خبر لأنا ، وجوز كونه ضمير فصل ورده أبو البقاء بوجهين :

أحدهما : أنه لا يدخل على الخبر الفعلي والثاني : أن اللام لا تدخل عليه ، وتعقب ذلك في «الدر المصون » بأن الثاني غلط فإنه ورد دخول اللام عليه في قوله تعالى : { إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحق } [ آل عمران : 62 ] ودخوله على المضارع مما ذهب إليه الجرجاني وبعض النحاة ، وجعلوا من ذلك قوله تعالى : { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىء وَيُعِيدُ } [ البروج : 13 ] ولعل ذلك المجوز ممن يرى هذا الرأي والعجب من أبي البقاء فإنه رد ذلك هنا وجوزه في قوله تعالى : { وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } [ فاطر : 10 ] كما نقله في «المغني » .

{ وَنَحْنُ الوارثون } أي الباقون بعد فناء الخلق قاطبة لمالكون للملك عند انقضاء زمان الملك المجازي ، الحاكمون في الكل أولاً وآخراً وليس لأحد إلا التصرف الصوري والملك المجازي وفي هذا تنبيه على أن المتأخر ليس بوارث للمتقدم كما يتراآى من ظاهر الحال ، وتفسير الوارث بالباقي مروي عن سفيان وغيره ، وفسر بذلك في قوله عليه الصلاة والسلام : " اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا " وهو من باب الاستعارة .

( ومن باب الإشارة ) :{ وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ } القلوب بماء العلم والمشاهدة { وَنُمِيتُ } النفوس بالجد والمجاهدة ، وقيل : نحيي بالعلم ونميت بالإفناء في الوحدة ؛ وقيل : نحيي بمشاهدتنا قلوب المطيعين من موت الفراق ونميت نفوس المريدين بالخوف منا وقهر عظمتنا عن حياة الشهوات ، وقال الواسطي : نحيي من نشاء بنا ونميت من نشاء عنا ، وقال الوراق : نحيي القلوب بنور الايمان ونميت النفوس باتباع الشيطان ؛ وقيل وقيل : { وَنَحْنُ الوارثون } [ الحجر : 23 ] للوجود والباقون بعد الفناء