الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡخَلَّـٰقُ ٱلۡعَلِيمُ} (86)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

إن ربك هو الذي خلقهم وخلق كلّ شيء، وهو عالم بهم وبتدبيرهم وما يأتون من الأفعال.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه خلقهم على علم بما يكون منهم من المعصية والخلاف، لا خلقهم عن غفلة وجهل بذلك، ليعلم أنه لم يخلق الخلق لحاجة في نفسه ولا لمنفعة نفسه، ولكن خلقهم ليمتحنهم بما أمرهم به ونهاهم ولما يرجع إلى منافعهم وحوائجهم.

والثاني: {إن ربك هو الخلاق} لخلقه {العليم} بمصالحهم: بأن الصفح الجميل لهم أصلح في دينهم من المكافآت، والله أعلم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

...إذ لا يصح الفعل بوصف الانتظام والاتساق من غير عالِم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق} الذي خلقك وخلقهم، وهو {العليم} بحالك وحالهم، فلا يخفى عليه ما يجري بينكم، وهو يحكم بينكم.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

..ولما ذكر خلق السموات والأرض وما بينهما قال: إن ربك هو الخلاق، أتى بصفة المبالغة لكثرة ما خلق، أو الخلاق من شاء لما شاء من سعادة أو شقاوة.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

تقرير للمعاد، وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة، فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق ما يشاء، وهو العليم بما تمزق من الأجساد، وتفرق في سائر أقطار الأرض، كما قال تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 81 -83].

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ثم علل هذا الأمر بقوله: {إن ربك} أي المحسن إليك الآمر لك بهذا {هو} أي وحده {الخلاّق} المتكرر منه هذا الفعل في كل وقت بمجرد الأمر، فلا عجب في إيجاد ما ينسب إليه من إبداع الساعة أو غيرها، وهو لذلك عالم بأحوالكم أجمعين وما يكون منها صلاحاً لك على غاية الحكمة، لأن المصور أعلم بالصورة من ناظرها والمتبصر فيها، وصانع الشيء أدرى به من مشتريه، وباني البيت أخبر به من ساكنه، وهو الذي خلق كل ما تراه منهم فهو فعله فسلم له. ولما كان إحكام المصنوعات لا يتم إلا بالعلم، قال تعالى: {العليم} أي البالغ العلم بكل المعلومات، فلا ترى أفعالهم وأقوالهم إلا منه سبحانه لأنه خالقها، وقد علمت أنه لا يضيع مثقال ذرة فاعتمد عليه في أخذ حقك، فإنه نعم المولى ونعم النصير، ولا يخفي عليه شيء منه؛ ويدل على ما قلته آية يس (أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاّق العليم} [يس:81].

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(إن ربك هو الخلاق العليم).. الذي خلق ويعلم ما خلق ومن خلق. والخلق كله من إبداعه فلا بد أن يكون الحق أصيلا فيه، ولا بد أن ينتهي كل شيء فيه إلى الحق الذي بدأ منه وقام عليه. فهو فيه أصيل وما عداه باطل وزيف طارئ يذهب، فلا يبقى إلا ذلك الحق الكبير الشامل المستقر في ضمير الوجود.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة {إن ربك هو الخالق العليم} في موقع التعليل للأمر بالصّفح عنهم، أي لأن في الصّفح عنهم مصلحة لك ولهم يعلمها ربك، فمصلحة النبي صلى الله عليه وسلم في الصّفح هي كمال أخلاقه، ومصلحتهم في الصّفح رجاء إيمانهم، فالله الخلّاق لكم ولهم ولنفسك وأنفسهم، العليم بما يأتيه كل منكم، وهذا كقوله تعالى: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون} [سورة فاطر: 8]. ومناسبته لقوله تعالى: {وإن الساعة لآتية} ظاهرة. وفي وصفه ب {الخلاق العليم} إيماء إلى بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يخلق من أولئك من يعلم أنّهم يكونون أولياء للنبيء صلى الله عليه وسلم وهم الذين آمنوا بعد نزول هذه الآية والّذين ولدوا، كقول النبي صلى الله عليه وسلم « لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده»... وتلك هي نكتة ذكر وصف {الخالق} دون غيره من الأسماء الحسنى. والعدول إلى {إن ربك} دون (إنّ الله) للإشارة إلى أن الّذي هو ربّه ومدبّر أمره لا يأمره إلا بما فيه صلاحه ولا يقدر إلاّ ما فيه خيره.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

و {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخلاَّقُ الْعَلِيمُ} ولعل في التعبير بكلمة (ربك) بعض الإيحاء بالخصوصية التي يستشعرها الرسول في علاقته بالله، ليجد القوّة من خلالها...

كلمة (العليم) تمثل إحاطة الله بكل شيء يخفى على العباد علمه، بما يوحيه ذاك العلم من ثقةٍ بحمايته لهم من حيث لا يعلمون.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

الآية التالية كما يقول جمع من المفسّرين بمنزلة الدليل على وجوب العفو والصفح الجميل، حيث تقول: (إِن ربّك هو الخلاق العليم). فاللّه يعلم بأنّ الناس ليسوا سواسية من جهة الطبائع والمستويات الفكرية والعاطفية وهو سبحانه مطلع على ما تخفيه صدورهم، وينبغي معاملتهم بروحية العفو والمسامحة ليهتدوا إلى طريق الحق بأسلوب الإِصلاح المرحلي أو التدريجي. ولا يرمز ذلك إلى الجبر في أعمال الناس وسلوكهم، بقدر ما هو إِشارة إلى أمر تربوي يأخذ بنظر الاعتبار اختلاف الناس في القابليات. وممّا يجدر ذكره.. تصور البعض أنّ الأمر الإِلهي مختصٌ بفترة حياة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكّة قبل الهجرة، وعندما هاجر (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة أصبح للمسلمين القدرة والقوّة فنسخ هذا الأمر وجاء الجهاد بدله. ولكننا نجد ورود هذا الأمر في السور المدينة أيضاً (كسورة البقرة وسورة النّور والتغابن والمائدة)، فبعض منها يأمر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعفو والصفح، والبعض الآخر يأمر المؤمنين بذلك. فيتّضح لنا أنّ أمر الصفح عام ودائم، وهو لا يعارض أمر الجهاد أبداً، فلكلٍّ محله الخاص به. فإِذا كان الموقف يستدعي العفو والتسامح، فَلِمَ لا يؤخذ به! وإِذا كان مدعاة للتجرؤ والجسارة من قبل الأعداء ولا ينفع معهم إِلاّ الشدة، فلا مناص حينئذ من الأخذ بأمر الجهاد.