الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ} (70)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فانطلقوا ثم رجعوا {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا} تشكل.

{وإنا إن شاء الله لمهتدون}، لو لم يستثنوا لم يهتدوا لها أبدا، فعند ذلك هموا أن يفعلوا ما أمروا، ولو أنهم عمدوا إلى الصفة الأولى فذبحوها لأجزأت عنهم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني بقوله:"قالُوا":قال قوم موسى الذين أمروا بذبح البقرة لموسى. فترك ذكر موسى وذكر عائد ذكره اكتفاءً بما دلّ عليه ظاهر الكلام.

وذلك أن معنى الكلام: قالوا له: «ادع ربك»، فلم يذكر (له) لما وصفنا. وقوله: "يُبَيّنْ لَنَا ما هِيَ "خبر من الله عن القوم بجهلة منهم ثالثة، وذلك أنهم لو كانوا إذ أمروا بذبح البقرة ذبحوا أيتها تيسرت مما يقع عليه اسم بقرة كانت عنهم مجزئة، ولم يكن عليهم غيرها، لأنهم لم يكونوا كلفوها بصفة دون صفة، فلما سألوا بيانها بأيّ صفة هي، فبين لهم أنها بسنّ من الأسنان دون سنّ سائر الأسنان، فقيل لهم: هي عوان بين الفارض والبكر الضرع. فكانوا إذ بينت لهم سنها لو ذبحوا أدنى بقرة بالسنّ التي بينت لهم كانت عنهم مجزئة، لأنهم لم يكونوا كلفوها بغير السنّ التي حدّت لهم، ولا كانوا حصروا على لون منها دون لون. فلما أبوا إلا أن تكون معرّفة لهم بنعوتها مبينة بحدودها التي تفرّق بينها وبين سائر بهائم الأرض فشدّدوا على أنفسهم شدّد الله عليهم بكثرة سؤالهم نبيهم واختلافهم عليه ولذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم لأمته: «ذَرُونِي ما تَرَكْتُكُمْ فَإنّمَا أُهْلِكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ على أنْبيائِهِمْ، فإذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأتُوهُ، وإذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا عَنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».

ولكن القوم لما زادوا نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم أذى وتعنتا، زادهم الله عقوبة وتشديدا... عن ابن عباس، قال: لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها لكنهم شدّدوا فشدد الله عليهم...

وقد زعم بعض من عظمت جهالته واشتدت حيرته، أن القوم إنما سألوا موسى ما سألوا بعد أمر الله إياهم بذبح بقرة من البقر لأنهم ظنوا أنهم أمروا بذبح بقرة بعينها خصت بذلك، كما خصت عصا موسى في معناها، فسألوه أن يحليها لهم ليعرفوها. ولو كان الجاهل تدبر قوله هذا، لسهل عليه ما استصعب من القول وذلك أنه استعظم من القوم مسألتهم نبيهم ما سألوه تشددا منهم في دينهم، ثم أضاف إليهم من الأمر ما هو أعظم مما استنكره أن يكون كان منهم، فزعم أنهم كانوا يرون أنه جائز أن يفرض الله عليهم فرضا ويتعبدهم بعبادة، ثم لا يبين لهم ما يفرض عليهم ويتعبدهم به حتى يسألوا بيان ذلك لهم. فأضاف إلى الله تعالى ذكره ما لا يجوز إضافته إليه، ونسب القوم من الجهل إلى ما لا ينسب المجانين إليه، فزعم أنهم كانوا يسألون ربهم أن يفرض عليهم الفرائض. فنعوذ بالله من الحيرة، ونسأله التوفيق والهداية.

وأما قوله: "إِنّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا": فإن البقر جماع بقرة...

"تَشَابَهَ عَلَيْنَا" فإنه يعني به: التبس علينا...

" وَإنّا إنْ شاءَ اللّهُ لَمُهْتَدُونَ" فإنهم عنوا: وإنا إن شاء الله لمبين لنا ما التبس علينا وتشابه من أمر البقرة التي أمرنا بذبحها. ومعنى اهتدائهم في هذا الموضع معنى تبينهم أيّ ذلك الذي لزمهم ذبحه مما سواه من أجناس البقر.

أحكام القرآن للجصاص 370 هـ :

{وإنا إن شاء الله لمهتدون} لما قرنوا الخبر بمشيئة الله وُفِّقوا لترك المراجعة بعدها ولوجود ما أمروا به، وقد روي أنهم لو لم يقولوا "إن شاء الله "لما اهتدوا لها أبدا ولدام الشر بينهم، وكذلك قوله: {وما كادوا يفعلون} فأعلمنا الله ذلك لنطلب نجاح الأمور عند الإخبار عنها في المستقبل بذكر الاستثناء الذي هو مشيئة الله، وقد نص الله تعالى لنا في غير هذا الموضع على الأمر به في قوله: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} ففيه استعانة بالله وتفويض الأمر إليه والاعتراف بقدرته ونفاذ مشيئته وأنه مالكه والمدبر له...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{مَا هِي} مرة ثانية تكرير للسؤال عن حالها وصفتها، واستكشاف زائد ليزدادوا بياناً لوصفها... والاستقصاء شؤم...

وفي الحديث:"أعظم الناس جرماً من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم لأجل مسألته".

{إِنَّ البقر تشابه عَلَيْنَا} أي إن البقر الموصوف بالتعوين والصفرة كثير فاشتبه علينا أيها نذبح...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وفي استثنائهم في هذا السؤال الأخير إنابة ما وانقياد ودليل ندم وحرص على موافقة الأمر...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

القول في {ما هي} كالقول في نظيره، فإن كان الله تعالى حكى مرادف كلامهم بلغة العرب فالجواب لهم ب {أنها بقرة لا ذلول} لما عُلم من أنه لم يبق من الصفات التي تتعلق الأغراض بها إلا الكرامة والنفاسة، وإن كان المحكي في القرآن اختصاراً لكلامهم فالأمر ظاهر. على أن الله قد علم مرادهم فأنبأهم به.

وجملة {إن البقرة تشابه علينا} مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنهم علموا أن إعادتهم السؤال توقع في نفس موسى تساؤلاً عن سبب هذا التكرير في السؤال، وقولهم {إن البقرة تشابه علينا} اعتذار عن إعادة السؤال، وإنما لم يعتذروا في المرتين الأوليين واعتذروا الآن لأن للثالثة في التكرير وقعاً في النفس في التأكيد والسآمة وغير ذلك، ولذلك كثر في أحوال البشر وشرائعهم التوقيت بالثلاثة...

وقولهم: {وإنا إن شاء الله لمهتدون} تنشيط لموسى ووعد له بالامتثال لينشط إلى دعاء ربه بالبيان، ولتندفع عنه سآمة مراجعتهم التي ظهرت بوارقها في قوله: {فافعلوا ما تؤمرون} [البقرة: 68] ولإظهار حسن المقصد من كثرة السؤال وأن ليس قصدهم الإعنات. تفادياً من غضب موسى عليهم.

والتعليق ب {إن شاء الله} للتأدب مع الله في رد الأمر إليه في طلب حصول الخير.