الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَقَالُواْ لَوۡلَا يَأۡتِينَا بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّهِۦٓۚ أَوَلَمۡ تَأۡتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (133)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء المشركون الذين وصف صفتهم في الآيات قبل: هلا يأتينا محمد بآية من ربه، كما أتى قومه صالح بالناقة وعيسى بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، يقول الله جلّ ثناؤه: أو لم يأتهم بيان ما في الكتب التي قبل هذا الكتاب من أنباء الأمم من قبلهم التي أهلكناهم لما سألوا الآيات، فكفروا بها لما أتتهم، كيف عجّلنا لهم العذاب وأنزلنا بأسنا بكفرهم بها، يقول: فماذا يؤمنهم إن أتتهم الآية أن يكون حالهم حال أولئك.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

سألوه أن يأتيهم بآية من عند ربه على رسالته ونبوته، فقال عز وجل {أولم تأتيهم بينة ما في الصحف الأولى} أي قد أتاهم ببينة على رسالته ونبوته {ما في الصحف الأولى} لأن الكتب المتقدمة كانت بغير لسان رسول الله، ولم يكن يعرف الكتابة بلسانه فضلا عن أنه لم يعرف غيرها من الكتب التي كانت على غير لسانه، ثم أخبر عن الأنباء التي كانت في الكتب المتقدمة على ما كانت، دل أنه إنما عرف تلك الأنباء والقصص التي كانت في كتبهم بالله تعالى...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه) حكاية عما قال الكفار للنبي (صلى الله عليه وآله) هلا يأتينا بآية من ربه، يريدون الآية التي يقترحونها، لأنه أتى بالآيات...

حكى بأنهم قالوا فيما بينهم هلا يأتينا بالمعجز. أو دلالة تدل على صدق قوله، فقال الله لهم (ألم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى) يعني ألسنا بينا ذلك في الكتب التي أنزلناها على موسى وعيسى، فلم لم يؤمنوا بها ويصدقوا بها؟.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

عَمِيَتْ بصائرهم وادَّعوا أنه لا برهانَ معه، ولم يكن القصورُ في الأدلة بل كان الخَلَلُ في بصائرهم، ولو جمع اللَّهُ لهم كلَّ آيةٍ اقْتُرِحَتْ على رسولٍ ثم لم يُرِد اللَّهُ أَنْ يؤمِنوا لَمَا ازدادوا إلا طغياناً وكفراً وخسراناً... وتلك سُنَّةُ أسلافهم في تكذيب أنبيائهم، ولذا قال: {وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى}

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

اقترحوا -على عادتهم في التعنت- آية على النبوّة، فقيل لهم: أو لم تأتكم آية هي أمّ الآيات وأعظمها في باب الإعجاز، يعني القرآن، من قبل أنّ القرآن برهان ما في سائر الكتب المنزلة ودليل صحته لأنه معجزة، وتلك ليست بمعجزات، فهي مفتقرة إلى شهادته على صحة ما فيها، افتقار المحتج عليه إلى شهادة الحجة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ثم إنه سبحانه بعد هذه الوصية حكى عنهم شبهتهم، فكأنه من تمام قوله: {فاصبر على ما يقولون} وهي قولهم: {لولا يأتينا بآية من ربه} أوهموا بهذا الكلام أنه يكلفهم الإيمان من غير آية، وقالوا في موضع آخر: {فليأتنا بآية كما أرسل الأولون} وأجاب الله تعالى عنه بقوله: {أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى} وفيه وجوه:

أحدها: أن ما في القرآن إذ وافق ما في كتبهم مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشتغل بالدراسة والتعلم وما رأى أستاذا البتة كان ذلك إخبارا عن الغيب فيكون معجزا.

وثانيها: أن بينة ما في الصحف الأولى ما فيها من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبنبوته وبعثته...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

يقول تعالى مخبرًا عن الكفار في قولهم: {لَوْلا} أي: هلا {يَأْتِينَا} محمد {بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ} أي: بعلامة دالة على صدقه في أنه رسول الله؟ قال الله تعالى: {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأولَى} يعني: القرآن العظيم الذي أنزله عليه الله وهو أمي، لا يحسن الكتابة، ولم يدارس أهل الكتاب، وقد جاء فيه أخبار الأولين، بما كان منهم في سالف الدهور، بما يوافقه عليه الكتب المتقدمة الصحيحة منها؛ فإن القرآن مهيمن عليها، يصدق الصحيح، ويُبَيّن خطأ المكذوب فيها وعليها...

وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة". وإنما ذكر هاهنا أعظم الآيات التي أعطيها، عليه السلام، وهو القرآن، وله من المعجزات ما لا يحد ولا يحصر، كما هو مودع في كتبه، ومقرر في مواضعه..

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{أولم} أي ألم يأتهم من الآيات في هذا القرآن مما خصصتك به من الأحكام والحكم في أبلغ المعاني بأرشق النظوم ما أعجز بلغاءهم، وأبكم فصحاءهم، فدل قطعاً على أنه كلامي، أو لم {تأتهم بينة ما} أي الأخبار التي {في الصحف الأولى} من صحف إبراهيم وموسى وعيسى وداود عليهم السلام في التوراة والإنجيل والزبور وغير ذلك من الكتب الإلهية كقصتي آدم وموسى المذكورتين في هذه السورة وغيرهما مما تقدم قصه لها كما هي عند أهلها على وجوه لا يعلمها إلا قليل من حذاقهم من غير أن يخالط عالماً منهم أو من غيرهم، ومن غير أن يقدر أحد منهم على معارضة ما أتى به في قصتها من النظم المنتج قطعاً أنه لا معلم له إلا الله المرسل له، وأن ما أتى به منها شاهد لما في الصحف الأولى من ذلك بالصدق، لأنه كلام الله، فهو بينة على غيره لإعجازه، فجميع الكتب الإلهية مفتقرة إلى شهادته افتقار المحتج عليه إلى شهادة الحجة، ولا افتقار له بعد العجز عنه إلى شيء أصلاً، فهو أعظم من آيات جميع الأنبياء اللاتي يطلبون مثلها بما لا يقايس.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ} إن كانوا صادقين في قولهم، وأنهم يطلبون الحق بدليله، {بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى} أي: هذا القرآن العظيم، المصدق لما في الصحف الأولى، من التوراة والإنجيل، والكتب السابقة المطابق لها، المخبر بما أخبرت به، وتصديقه أيضا مذكور فيها، ومبشر بالرسول بها.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وقرب ختام السورة يعود بالحديث إلى أولئك الكبراء الممتعين المكذبين، الذين يطلبون إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] بعدما جاءهم بهذا القرآن أن يأتيهم بآية من ربه: هذا القرآن الذي يبين ويوضح ما جاءت به الرسالات قبله: (وقالوا: لولا يأتينا بآية من ربه. أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى؟).. فليس إلا التعنت وإلا المكابرة والرغبة في الاقتراح هي التي تملي مثل هذا الاقتراح وإلا فآية القرآن كافية. وهو يصل حاضر الرسالة بماضيها، ويوحد طبيعتها واتجاهها، ويبين ويفصل ما أجمل في الصحف الأولى.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والبيّنة: الحجة. و {الصحف الأولى}: كتب الأنبياء السابقين، كقوله تعالى: {إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى} [الأعلى: 18 19]. والصحف: جمع صحيفة. وهي قطعة من ورَق أو كاغَد أو خرقة يكتب فيها. ولما كان الكتاب مجموع صحف أطلق الصحف على الكتب. ووجه اختيار {الصحف هنا على الكُتب أن في كلّ صحيفة من الكتب علماً، وأن جميعه حَواه القرآن، فكان كلّ جزء من القرآن آية ودليلاً. وهذه البيّنة هي محمد وكتابُه القرآن، لأنّ الرسول موعود به في الكتب السالفة، ولأنّ في القرآن تصديقاً لما في تلك الكتب من أخبار الأنبياء ومن المواعظ وأصول التشريع. وقد جاء به رسول أميّ ليس من أهل الكتاب ولا نشأ في قوم أهل علم ومزاولة للتاريخ مع مجيئه بما هو أوضح من فلق الصبح من أخبارهم التي لم يستطع أهل الكتاب إنكارها...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

... فالقرآن جاء جامعا ومهيمنا على الكتب السابقة، وفيه ذكر لكل ما حدث فيها من معجزات حسية، وهل شاهد هؤلاء معجزة عيسى عليه السلام في إبراء الأكمه والأبرص؟ هل شاهدوا عصا موسى أو ناقة صالح؟ لقد عرفوا هذه المعجزات عندما حكاها لهم القرآن، فصارت خبرا من الأخبار، وليست مرأى، والمعجزة الحسية تقع مرة واحدة، من رآها آمن بها، ومن لم يرها فهي بالنسبة له خبر، ولولا أن القرآن حكاها ما صدقها أحد منهم...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

ويبقى الهاجس الذي يطوف بخيالات المشركين في حديثهم عن النبي، هو المعجزة الخارقة التي تدهش النظر بتغيير المألوف من الظواهر الكونية من حولهم، تماماً كما كانوا يسمعونه عن عصا موسى (عليه السلام) وإبراء عيسى (عليه السلام) الأكمه والأبرص وإحياء الموتى؛ ولذلك فقد كانوا يقترحون عليه أمثالها أو ما يقرب منها. ولكن المعجزة ليست عملاً استعراضياً يقوم به النبي من أجل إبراز قدرته التي تصدم الحس، وتلهب الخيال، بل هي وسيلة من وسائل إقامة الحجة على الناس، في ما يعتبر بينة للرسالة، في حالات الشك والريب في صدقية النبي ورسالته. ولذلك فإن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) جاء بالقرآن الذي يشتمل على كل ما في الصحف الأولى التي جاء بها الأنبياء السابقون مما لم يتعلمه عند أحد من الناس، كما يعرفونه من أمره، في ما يعرفونه من دقائق حياته... {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى} فيجدون من خلال ذلك الدليل على صدق القرآن في أحكامه وشرائعه وبيناته.. وربما كان المقصود كما يذكر البعض التهديد بما يمكن أن يأتيهم من العذاب على ما يقترحونه من الخوارق والمعجزات للتعجيز، فإذا جاءتهم امتنعوا عن الإيمان به، كما كان يحدث للأمم السالفة، إذ كان العذاب يرافق الكفر بعد قيام المعجزة، فيكون ذلك سبباً لهلاكهم، فتكون الآية تحذيراً لهم من ذلك لينتهوا عنه.