الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامٗا وَأَجَلٞ مُّسَمّٗى} (129)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولولا كلمة سبقت من ربك} في تأخير العذاب عنهم إلى تلك المدة {لكان لزاما وأجل مسمى} يعني: يوم القيامة {لكان لزاما} للزمهم العذاب في الدنيا كلزوم الغريم الغريم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكَ" يا محمد أن كلّ من قضى له أجلاً فإنه لا يخترمه قبل بلوغه أجله "وأجلٌ مسمّى "يقول: ووقت مسمى عند ربك سماه لهم في أمّ الكتاب وخطه فيه، هم بالغوه ومستوفوه، "لَكانَ لِزَاما" يقول: للازمهم الهلاك عاجلاً، وهو مصدر من قول القائل: لازم فلان فلانا يلازمه ملازمة ولزاما: إذا لم يفارقه، وقدّم قوله: "لَكانَ لِزَاما" قبل قوله "أجَلٌ مُسَمّى"، ومعنى الكلام: ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما، "فاصبر على ما يقولون"... عن مجاهد، قوله: "وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكَ لَكانَ لِزَاما وأجَلٌ مُسَمّى" الأجل المسمى: الدنيا...

عن قتادة... والأجل المسمى: الساعة، لأن الله تعالى يقول بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، والسّاعَةُ أدْهَى وأمَرّ...

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: "لَكانَ لِزَاما"؛ فقال بعضهم: معناه: لكان موتا... وقال آخرون: معناه لكان قتلاً...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

هو على التقديم والتأخير، أي {ولولا كلمة سبقت من ربك} وأجل مسمى لكان العذاب لازما لهم. يقول، والله أعلم: يلزم كل إنسان بما عمل، والأجل المسمى الساعة...

وجائز أن يكون قوله على غير التقديم والتأخير، لكنه على الإضمار، أي {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى} ولكن سيلزمهم إلى أجل مسمى، وهو ما ذكر في آية أخرى: {ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} [النحل: 61]...

{ولولا كلمة سبقت من ربك} بما يكون بحق الإفضال أو توجيه الحكمة لكان العذاب لازما لهم...وأصل هذا: {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى} لولا ما سبق من وعده أنه لا يعذب هذه الأمة تعذيب إهلاك وقت تكذيبهم الرسل وردهم الآيات، ولكن يؤخره إلى أجل مسمى...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

لولا أَنَّ كلمةً اللَّهِ سَبَقَتْ بتأخير العقوبة عن هذه الأمة، وأنه لا يستأصلهم لأنَّ جماعةً من الأولياء في أصلابهم لَعَجَلَّ عقوبتَهم، ولكن.. كما ذَكَرَ من الأحوال أمهلهم مدةً معلومة، ولكنه لم يهملهم أصلاً.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

والكلمة هي الحكم بتأخير العذاب، والأجل المسمى هو وعد القيامة...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

الكلمة السابقة: هي العدة بتأخير جزائهم إلى الآخرة، يقول: لولا هذه العدة لكان مثل إهلاكنا عاداً وثموداً لازماً لهؤلاء الكفرة...

{وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} لا يخلو من أن يكون معطوفاً على {كَلِمَةٌ} أو على الضمير في {كَانَ} أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم أعلم عز وجل قبله أن العذاب كان يصير لهم {لزاماً} {لولا كلمة سبقت} من الله تعالى في تأخيره عنهم إلى {أجل مسمى} عنده، فتقدير الكلام {ولولا كلمة سبقت} في التأخير {وأجل مسمى} لكان العذاب {لزاماً} كما تقول لكان حتماً أو واجباً واقعاً، لكنه قدم وأخر لتشتبه رؤوس الآي. واختلف الناس في الأجل فيحتمل أن يريد يوم القيامة والعذاب المتوعد به على هذا هو عذاب جهنم، ويحتمل أن يريد ب «الأجل» موت كل واحد منهم فالعذاب على هذا هو ما يلقى في قبره وما بعده.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ثم بين تعالى الوجه الذي لأجله لا ينزل العذاب معجلا على من كذب وكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال: {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى} وفيه تقديم وتأخير، والتقدير: ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما، ولا شبهة في أن الكلمة هي إخبار الله تعالى ملائكته وكتبه في اللوح المحفوظ، أن أمته عليه السلام وإن كذبوا فسيؤخرون ولا يفعل بهم ما يفعل بغيرهم من الاستئصال،...واختلفوا فيما لأجله لم يفعل ذلك بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال بعضهم: لأنه علم أن فيهم من يؤمن، وقال آخرون: علم أن في نسلهم من يؤمن ولو أنزل بهم العذاب لعمهم الهلاك، وقال آخرون: المصلحة فيه خفية لا يعلمها إلا هو...

وأما الأجل المسمى ففيه قولان: أحدهما: ولولا أجل مسمى في الدنيا لذلك العذاب وهو يوم بدر. والثاني: ولولا أجل مسمى في الآخرة لذلك العذب وهو أقرب، ويكون المراد ولولا كلمة سبقت تتضمن تأخير العذاب إلى الآخرة كقوله: {بل الساعة موعدهم} لكان العقاب لازما لهم فيما يقدمون عليه من تكذيب الرسول وأذيتهم له.

التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :

والمراد بالأجل المسمى يوم بدر، وبذلك ورد تفسيره في البخاري.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

أي: لولا الكلمة السابقة من الله وهو أنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه، والأجل المسمى الذي ضربه الله تعالى لهؤلاء المكذبين إلى مدة معينة لجاءهم العذاب بغتة؛ ولهذا قال لنبيه مسليًا له: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}.

الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 875 هـ :

وفي «صحيح البخاري»: أن يوم بَدْرٍ هو: اللزام، وهو: البَطْشَةُ الكبرى، يعني: وقع في البخاري من تفسير ابن مَسْعُودٍ، وليس هو من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ولولا كلمة} أي عظيمة ماضية نافذة {سبقت} أي في الأزل {من ربك} الذي عودك بالإحسان بأنه يعامل بالحلم والأناة، وأنه لا يستأصل مكذبيك، بل يمد لهم، ليرد من شاء منهم ويخرج من أصلاب بعضهم من يعبده، وإنما ذلك إكراماً لك ورحمة لأمتك؛ لأنا كما قلنا أول السورة {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} بإهلاكهم وإن كانوا قوماً لداً، ولا بغير ذلك، وما أنزلناه إلا لتكثر أتباعك، فيعملوا الخيرات، فيكون ذلك زيادة في شرفك... {لكان} أي العذاب {لزاماً} أي لازماً أعظم لزوم لكل من أذنب عند أول ذنب يقع منه لشرفك عنده وقربك لديه، {و} لولا {أجل مسمى} ضربه لكل شيء لكان الأمر كذلك أيضاً، لكنه سبقت رحمته غضبه فهو لا يعجل، وضرب الأجل فهو لا يأخذ قبله، وكل من سبق الكلمة وتسمية الأجل مستقل بالإمهال فكيف إذا اجتمعا.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم} في سورة هود (110). فالكلمة هنا مراد بها: ما عَلمه الله من تأجيل حلول العذاب بهم، فالله تعالى بحكمته أنظر قريشاً فلم يعجل لهم العذاب لأنه أراد أن ينشر الإسلام بمن يؤمن منهم وبذريّاتهم. وفي ذلك كرامة للنبيء محمد بتيسير أسباب بقاء شرعه وانتشاره لأنه الشريعة الخاتمة...

واللِزام بكسر اللام: مصدر لاَزَم: كالخصام، استعمل مصدراً لفعل لَزِم الثاني لقصد المبالغة في قوة المعنى كأنه حاصل من عدة ناس. ويجوز أن يكون وزن فِعال بمعنى فاعل. أي: لكان الإهلاك الشديد لازماً لهم. فانتصب لزاماً على أنه خبر (كانَ)، واسمُها ضمير راجع إلى الإهلاك المستفاد من {كم أهلكنا}، أي لكان الإهلاك الذي أُهلك مثله مَن قبلهم من القرون، وهو الاستئصال، لازماً لهم. {وأجل مسمى} عطف على {كلمة} والتقدير: ولولا كلمة وأجلٌ مسمّى يقع عنده الهلاك لكان إهلاكهم لزاماً. والمراد بالأجل: ما سيُكشف لهم من حلول العذاب: إما في الدنيا بأن حل برجال منهم وهو عذاب البطشة الكبرى يومَ بدر؛ وإما في الآخرة وهو ما سيحل بمن ماتوا كفّاراً منهم.ويظهر أنه شاع في عصر الصحابة تأويل اسم اللزام أنه عذاب توعد الله به مشركي قريش. وقيل: هو عذاب يوم بدر. ففي « صحيح البخاري» عن ابن مسعود قال: « خمس قد مضين: الدخان، والقمرُ، والرّومُ، والبطشة، واللِزام {فسوف يكون لزاماً. يريد بذلك إبطال أن يكون اللِزام مترقباً في آخر الدنيا. وليس في القرآن ما يحوج إلى تأويل اللِزام بهذا كما علمت.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

الآية التالية في الحقيقة جواب عن سؤال يُثار هنا، وهو: لماذا لا يجري الله سبحانه على هذا القسم من المجرمين ما أجراه على المجرمين السابقين، فيقول القرآن: (ولولا كلمة سبقت من ربّك لكان لزاماً وأجل مسمّى). إنّ هذه السنّة الإلهيّة التي ذكرت في مواضع عديدة من القرآن باسم (كلمة) إشارة إلى قانون الخلقة المبتني على حريّة البشر، لأنّ كلّ مجرم إذا عوقب مباشرة وبدون أن يمهل، فإنّ الإيمان والعمل الصالح سيتّصف بالجبر تقريباً، وسيكون على الأغلب خوفاً من العقاب الآني، وبناءً على هذا فسوف لا يكون وسيلة للتكامل الذي هو الهدف الأصلي. إضافةً إلى أنّه إذا تقرّر أن يعاقب جميع المجرمين فوراً، فسوف لا يبقى أحد حيّاً على وجه الأرض: (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة) (. وبناءً على هذا فيجب أن تكون هناك مهلة وفترة تعطى لكلّ المرتبطين بطريق الحقّ حتّى يرجع المجرمون إلى أنفسهم ويسلكوا سبيل الصلاح، ولتكون كذلك فرصة لتهذيب النفس. إنّ التعبير ب (أجل مسمّى) بالشكل الذي يفهم من مجموع آيات القرآن، إشارةً إلى الزمان الحتمي لنهاية حياة الإنسان. وعلى كلّ حال، فإنّ الظالمين الذين لا إيمان لهم والمجرمين يجب أن لا يغترّوا بتأخير العذاب الإلهي، وأن لا يغفلوا عن هذه الحقيقة، وهي أنّ لطف الله وسنّته في الحياة، وقانون التكامل هذا، هو الذي يفسح المجال لهؤلاء.