الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَنَصَرۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمَ سَوۡءٖ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ} (77)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{الذين كذبوا بئاياتنا} يعني: كذبوا بنزول العذاب عليهم في الدنيا، وكان نصره هلاك قومه.

{إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين}، لم ننج منهم أحدا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"وَنَصَرْناهُ مِنَ القَوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِنا" يقول: ونصرنا نوحا على القوم الذي كذّبوا بحججنا وأدلتنا، فأنجيناه منهم، فأغرقناهم أجمعين. "إنّهم كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ "يقول تعالى ذكره: إن قوم نوح الذين كذّبوا بآياتنا كانوا قوم سوء، يسيئون الأعمال، فيعصون الله ويخالفون أمره.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

والنصر هو اسم لأمرين: اسم للمنع واسم للظفر. فمن قرأ: {ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا} أي منعناه من أن يقتله قومه، ويهلكوه؛ والنصر المنع كقوله: {فلا ناصر لهم} [محمد: 13] أي لا مانع لهم. ومن قرأ: على القوم {الذين كذبوا بآياتنا} أي أظفرناه على قومه كقوله: {وما النصر إلا من عند الله} [آل عمران: 126] وقد كان له الأمران جميعا: المنع والظفر.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{ونصرناه} لما كان جل نصرته النجاة وكانت غلبة قومه بغير يديه بل بأمر أجنبي منه حسن أن يكون «نصرناه من» ولا يتمكن هنا «على» كما يتمكن في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، مع قومه...

وذكر هؤلاء الأنبياء عليهم السلام ضرب مثل لقصة محمد صلى الله عليه وسلم مع قومه، ونجاة الأنبياء وهلاك مكذبيهم ضمنها توعد للكفار من قريش.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أما قوله تعالى: {إنهم كانوا قوم سوء} فالمعنى أنهم كانوا قوم سوء لأجل ردهم عليه وتكذيبهم له فأغرقناهم أجمعين، فبين ذلك الوجه الذي به خلصه منهم.

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

"فأغرقناهم أجمعين" لاجتماع الأمرين تكذيب الحق والانهماك في الشر، ولعلهما لم يجتمعا في قوم إلا وأهلكهم الله تعالى.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ونصرناه} أي مخلصين له ومانعين ومنتقمين} من القوم {أي المتصفين بالقوة {الذين كذبوا} أي أوقعوا التكذيب له {بآياتنا} أي بسبب إتيانه بها، وهي من العظمة على أمر لا يخفى.

ولما كان التقدير: ثم أهلكناهم، علله بقوله: {إنهم كانوا قوم سوء} لا عمل لهم إلا ما يسوء {فأغرقناهم} أي بعظمتنا التي أتت عليهم كلهم {أجمعين} حتى من قطع الكفر بين نوح عليه السلام وبينه من أهله فصار لا يعد من أهله، لاختلاف الانتساب بالدين.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

وقال بعضهم: إن النصر يتعدى بعلى ومن، ففي الأساس نصره الله تعالى على عدوه ونصره من عدوه، وفرق بينهما بأن المتعدي بعلى يدل على مجرد الإعانة والمتعدي بمن يدل على استتباع ذلك للانتقام من العدو والانتصار.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وعدي {نصرناه} بحرف (من) لتضمينه معنى المنع والحماية، كما في قوله تعالى: {إنكم منا لا تنصرون} [المؤمنون: 65]، وهو أبلغ من تعديته ب (علَى) لأنه يدل على نصر قوي، تحصل به المَنعَةُ والحماية فلا يناله العدوّ بشيء. وأما نصره عليه فلا يدل إلا على المدافعة والمعونة. ووصف القوم بالموصول للإيماء إلى علة الغرق الذي سيذكر بعد...

وإضافة قوم إلى السوء إشارة إلى أنهم عرفوا به. والمراد به الكفر والتكبر والعناد والاستسخار برسولهم...

و {أجمعين} حال من ضمير النصب في {أغرقناهم} لإفادة أنه لم ينج من الغرق أحد من القوم ولو كان قريباً من نوح فإن الله قد أغرق ابن نوح. وهذا تهديد لقريش لئلا يتكلوا على قرابتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم كما رُوي أنه لما قرأ على عتبة بن ربيعة [سورة فصّلت: 13] حتى بلغ {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فزع عتبة وقال له: ناشدْتُك الرّحمَ.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

إن أي طرح جديد لأي مفهوم مضاد لما يحملونه من مفاهيم، لا ينال قبولهم، بل يبادرون إلى تكذيبه من دون تفكير أو مناقشة. وهذا ما فعلوه عندما جاءهم نوح النبي بآيات الله فكذَّبوا بها، وسخروا منه، واضطهدوه، {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ} إذ تتمثل عناصر السوء في أفكارهم وأقوالهم وأفعالهم، {فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} لينتهي جيل البشرية الأول الذي تحجّر فيه الكفر وامتد به الضلال، وأغلق كل منافذ الوعي في شخصيته، ليستسلم للأجواء المتعفّنة الخانقة في حياته.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وتضيف الآية التالية: (ونصرناه من القوم الذين كذّبوا بآياتنا إنّهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين) إنّ هذه الجملة تؤكّد مرّة أُخرى على حقيقة أنّ العقوبات الإلهيّة لا تتّصف بصفة الانتقام مطلقاً، بل هي على أساس انتخاب الأصلح، أي إنّ حقّ الحياة والتنعّم بمواهب الحياة لأناس يكونون في طريق التكامل والسير إلى الله، أو أنهم إذا ساروا يوماً في طريق الانحراف انتبهوا إلى أنفسهم ورجعوا إلى جادة الصواب. أمّا اُولئك الفاسدون الذين لا أمل مطلقاً في صلاحهم في المستقبل، فلا مصير ولا جزاء لهم إلاّ الموت والفناء.

ملاحظة:

الجدير بالذكر أنّ هذه السورة ذكرت آنفاً قصة «إبراهيم» و «لوط» وكذلك سوف تذكر قصتي «أيّوب» و «يونس»، وقد ذكرت آنفاً قصّة نوح (عليه السلام) وفي جميعها تذكر مسألة نجاتهم وخلاصهم من الشدائد والمحن والأعداء.

وكأنّ منهج هذه السورة بيان منتهى رعاية الله وحمايته لأنبيائه وإنقاذهم من الكروب، ليكون ذلك تسلية للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأملا للمؤمنين، وبملاحظة أنّ هذه السورة مكّية، وأنّ المسلمين كانوا حينئذ في شدّة وكرب فستتجلّى أهميّة هذا الموضوع أكثر...