الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِۦ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ} (35)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يريد أن يخرجكم من أرضكم} يعني: مصر {بسحره فماذا تأمرون}، يقول: فماذا تشيرون علي.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"يُرِيدُ أنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ" يقول: يريد أن يخرج بني إسرائيل من أرضكم إلى الشأم بقهره إياكم بالسحر. وإنما قال: يريد أن يخرجكم فجعل الخطاب للملإ حوله من القبط، والمعنيّ به بنو إسرائيل، لأن القبط كانوا قد استعبدوا بني إسرائيل، واتخذوهم خدما لأنفسهم ومُهّانا، فلذلك قال لهم: "يُرِيدُ أنْ يُخْرِجَكُمْ" وهو يريد: أن يخرج خدمكم وعبيدكم من أرض مصر إلى الشأم.

وإنما قلت معنى ذلك كذلك، لأن الله إنما أرسل موسى إلى فرعون يأمره بإرسال بني إسرائيل معه، فقال له ولأخيه "فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إنّا رَسُولُ رَبّ العالَمِينَ أنْ أرْسِلْ مَعَنا بَني إسْرائِيلَ".

وقوله: "فَمَاذَا تَأْمُرُونَ" يقول: فأيّ شيء تأمرون في أمر موسى وما به تشيرون من الرأي فيه؟

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

هذا منه إغراء وتحريش لقومه على موسى لئلا ينظروا إليه بعين التعظيم لعظيم ما أتاهم من الآية؛ أراهم حين قال: {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره} أنه لم يرد إخراجهم من أرضهم، ولكن ذلك إغراء منه لهم عليه لئلا يتبعوه؛ كأنه يقول: {يريد أن يخرجكم من أرضكم} فيفسد عليكم معاشكم، ويضيق عليكم مقامكم ومتقلبكم.

{فماذا تأمرون} هذا يبين أنه كان عرف أنه ليس بإله، فيبين دناءته وقلة معرفته، لأنه لا يقول ملك من الملوك لقومه: ماذا تأمرون؟ وخاصة من يدعي لنفسه الألوهية. بقوله: {ما علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38] فدل أنه كان خسيس الهمة دنيء الرأي والبال.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{فَمَاذَا تأمرون}... ويحتمل استشارته لهم وجهين: أحدهما: أنه أراد أن يستعطفهم لضعف نفسه. الثاني: أنه أذهله ما شاهد فحار عقله فلجأ إلى رأيهم وهو يقول أنا ربكم الأعلى وقد خفي عليه تناقض الأمرين خذلانا.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{تَأْمُرُونَ} من المؤامرة وهي المشاورة. أو من الأمر الذي هو ضدّ النهي: جعل العبيد آمرين وربهم مأموراً لما استولى عليه من فرط الدهش والحيرة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره} وهذا يجري مجرى التنفير عنه لئلا يقبلوا قوله، والمعنى يريد أن يخرجكم من أرضكم بما يلقيه بينكم من العداوات فيفرق جمعكم، ومعلوم أن مفارقة الوطن أصعب الأمور فنفرهم عنه بذلك، وهذا نهاية ما يفعله المبطل في التنفير عن المحق.

قوله لهم: {فماذا تأمرون} أي فما رأيكم فيه وما الذي أعمله؟ يظهر من نفسه أني متبع لرأيكم ومنقاد لقولكم. ومثل هذا الكلام يوجب جذب القلوب وانصرافها عن العدو..

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أوقفهم بما خيلهم به، أحماهم لأنفسهم فقال ملقياً لجلباب الأنفة لما قهره من سلطان المعجزة: {يريد أن يخرجكم من أرضكم} أي هذه التي هي قوامكم {بسحره} أي بسبب ما أتى به منه، فإنه يوجب استتباع الناس فيتمكن مما يريد بهم؛ ثم قال لقومه -الذين كان يزعم أنهم عبيده وأنه إلههم- ما دل على أنه خارت قواه، فحط عن منكبيه كبرياء الربوبية، وارتعدت فرائصه حتى جعل نفسه مأموراً بعد أن كان يدعي كونه آمراً بل إلهاً قادراً: {فماذا تأمرون} أي في مدافعته عما يريد بنا.

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :

ومعنى {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} ما رأيكم فيه، وما مشورتكم في مثله؟ فأظهر لهم الميل إلى ما يقولونه تألفاً لهم، واستجلاباً لمودّتهم، لأنه قد أشرف ما كان فيه من دعوى الربوبية على الزوال، وقارب ما كان يغرّر به عليهم الاضمحلال، وإلاّ فهو أكبر تيها، وأعظم كبراً من أن يخاطبهم مثل هذه المخاطبة المشعرة بأنه فرد من أفرادهم، وواحد منهم، مع كونه قبل هذا الوقت يدّعي أنه إلههم ويذعنون له بذلك ويصدّقونه في دعواه..

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويبدو ذعره من تأثر القوم بها فهو يغريهم به: (يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره). ويبدو تضعضعه وتهاويه وتواضعه للقوم الذين يجعل نفسه لهم إلها، فيطلب أمرهم ومشورتهم: (فماذا تأمرون؟) ومتى كان فرعون يطلب أمر أتباعه وهم له يسجدون!

وتلك شنشنة الطغاة حينما يحسون أن الأرض تتزلزل تحت أقدامهم. عندئذ يلينون في القول بعد التجبر. ويلجأون إلى الشعوب وقد كانوا يدوسونها بالأقدام، ويتظاهرون بالشورى في الأمر وهم كانوا يستبدون بالهوى. ذلك إلى أن يتجاوزوا منطقة الخطر، ثم إذا هم هم جبابرة مستبدون ظالمون!

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ومن أجل أن يعبّىء الملأ ويُثيرَ حفيظتهم ضد موسى (عليه السلام)، قال لهم: (يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون؟).

والغريب في الأمر أن فرعون الذي قال هذا الكلام هو الذي كان يقول من قبل: (أليس لي ملكُ مصر)؟!

والآن حيث يرى عرشه متزعزعاً ينسى مالكيته المطلقة لهذه الأرض، ويعدّها ملكَ الناس، فيقول لهم: أرضكم في خطر، إن موسى يريد أن يخرجكم من أرضكم، ففكروا في حيلة!...

فرعون هذا لم يكن قبل ساعة مستعداً لأن يصغي لأحد، كان الآمر بلا منازع، أمّا الآن فهو في حرج شديد يقول لمن حوله: «ماذا تأمرون»؟! إنّها استشارة عاجزة ومن موقف الضعف فحسب!...

ويستفاد من الآية (110) من سورة الأعراف أنّ أتباع فرعون ومن حوله ائتمروا فيما بينهم وتشاوروا في الأمر، وكانوا في حالة من الاضطراب النفسي بحيث كان كلُّ منهم يسأل الآخر قائلا: وأنت ما تقول؟ وماذا تأمرون؟!

أجل هذه سُنّةُ الجبابرة في كل عصر وزمان... فحين يسيطرون على الأوضاع يزعمون أن كل شيء لهم، ويعدون الجميع عبيدهم، ولا يفهمون شيئاً سوى منطق الاستبداد. إلاّ أنّهم حين تهتزّ عروشهم الظالمة ويرون حكوماتهم في خطر، ينزلون مؤقتاً عن استبدادهم ويلجأون إلى الناس ويتحدثون باسم الناس، فالأرض أرض الشعب، والحكومة تمثل الشعب ويحترمون آراء الشعب، ولكن حين يستقر الطوفان ويهدأ التيار، فإذا هم أصحاب الأمس و«عادت حليمة إلى عادتها القديمة».