الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِنِّيٓ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمۡ فَٱسۡمَعُونِ} (25)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

لما أمر بقتله قال: يا قوم {إني آمنت بربكم فاسمعون}، فَقُتِل...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"إنّي آمَنْتُ بِرَبّكُمْ فاسمَعُونِ" فاختلف في معنى ذلك؛

فقال بعضهم: قال هذا القول هذا المؤمنُ لقومه يعلمهم إيمانه بالله...

وقال آخرون: بل خاطب بذلك الرسلَ، وقال لهم: اسمعوا قولي لتشهدوا لي بما أقول لكم عند ربي، وأني قد آمنت بكم واتبعتكم، فذكر أنه لما قال هذا القول، ونصح لقومه النصيحة التي ذكرها الله في كتابه وثبوا به فقتلوه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{ءَامَنتُ بِرَبّكُمْ فاسمعون} يريد فاسمعوا قولي وأطيعوني، فقد نبهتكم على الصحيح الذي لا معدل عنه: أنّ العبادة لا تصحّ إلاّ لمن منه مبتدؤكم وإليه مرجعكم، وما أدفع العقول وأنكرها لأن تستحبوا على عبادته عبادة أشياء إن أرادكم هو بضرّ وشفع لكم هؤلاء لم تنفع شفاعتهم ولم يمكنوا من أن يكونوا شفعاء عنده؛ ولم يقدروا على إنقاذكم منه بوجه من الوجوه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

في المخاطب بقوله: {بربكم} وجوه؛

أحدها: هم المرسلون، قال المفسرون: أقبل القوم عليه يريدون قتله فأقبل وهو على المرسلين وقال: إني آمنت بربكم فاسمعوا قولي واشهدوا لي.

وثانيها: هم الكفار كأنه لما نصحهم وما نفعهم قال: فأنا آمنت فاسمعون وثالثها: بربكم أيها السامعون فاسمعون على العموم، كما قلنا في قول الواعظ حيث يقول: يا مسكين ما أكثر أملك وما أنزل عملك يريد به كل سامع يسمعه وفي قوله: {فاسمعون} فوائد:

أحدها: أنه كلام مترو متفكر حيث قال: {فاسمعون} فإن المتكلم إذا كان يعلم أن لكلامه جماعة سامعين يتفكر.

وثانيها: أنه ينبه القوم ويقول إني أخبرتكم بما فعلت حتى لا تقولوا لم أخفيت عنا أمرك ولو أظهرت لآمنا معك.

وثالثها: أن يكون المراد السماع الذي بمعنى القبول، يقول القائل نصحته فسمع قولي أي قبله.

فإن قلت لم قال من قبل: {ومالي لا أعبد الذي فطرني} وقال ههنا: {آمنت بربكم} ولم يقل آمنت بربي؟

نقول قولنا الخطاب مع الرسل أمر ظاهر، لأنه لما قال آمنت بربكم ظهر عند الرسل أنه قبل قولهم وآمن بالرب الذي دعوه إليه ولو قال بربي لعلهم كانوا يقولون كل كافر يقول لي رب وأنا مؤمن بربي، وأما على قولنا الخطاب مع الكفار ففيه بيان للتوحيد، وذلك لأنه لما قال: {أعبد الذي فطرني} [يس: 22] ثم قال: {آمنت بربكم} فهم أنه يقول ربي وربكم واحد وهو الذي فطرني وهو بعينه ربكم، بخلاف ما لو قال آمنت بربي فيقول الكافر وأنا أيضا آمنت بربي ومثل هذا قوله تعالى: {الله ربنا وربكم}.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أقام الأدلة ولم يبق لأحد تخلف عنه علة، صرح بما لوح إليه من إيمانه، فقال مظهراً لسروره بالتأكيد وقاطعاً لما يظنونه من أنه لا يجترئ على مقاطعتهم كلهم بمخالفتهم في أصل الدين: {إني آمنت} أي أوقعت التصديق الذي لا تصديق في الحقيقة غيره بالرسل مؤمناً لهم من أن أدخل عليهم نوع تشويش من تكذيب أو غيره.

ولما أرشدهم بعموم الرحمانية تلويحاً، صرح لهم بما يلزمهم شكره من خصوص الربوبية فقال: {بربكم} أي بسبب الذي لا إحسان عندكم إلا منه، قد نسيتم ما له لديكم من الربوبية والرحمانية والإبداع، وزاد في مصارحتهم إظهاراً لعدم المبالاة بهم بقوله: {فاسمعون} أي سماعاً إن شئتم أشعتموه، وإن شئتم كتمتموه -بما دل عليه حذف الياء وإثباتها، فلا تقولوا بعد ذلك: ما سمعناه، ولو سمعناه لفعلنا به. فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فقتلوه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مثل صاحب يس هذا في هذه الأمة عروة بن مسعود الثقفي حيث بادى قومه الإسلام، ونادى على عليته بالأذان، فرموه بالسهام فقتلوه.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة {إني آمنت بربكم فاسمعون} واقعة موقع الغاية من الخطاب والنتيجة من الدليل. وهذا إعلان لإِيمانه وتسجيل عليهم بأن الله هو ربهم لا تلك الأصنام، وأكد الإِعلان بتفريع {فاسمعون} استدعاءً لتحقيق أسماعهم إن كانوا في غفلة...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

عندما انتهى هذا المؤمن المجاهد المبارز من استعراض تلك الاستدلالات والتبليغات المؤثّرة أعلن لجميع الحاضرين (إنّي آمنت بربّكم فاسمعون).

أمّا من هو المخاطب في هذه الجملة (فاسمعون) والجملة السابقة لها (إنّي آمنت بربّكم)؟

ظاهر الآيات السابقة يشير إلى أنّهم تلك المجموعة من المشركين وعبدة الأوثان الذي كانوا في تلك المدينة، والتعبير ب «ربّكم» لا ينافي هذا المعنى أيضاً، إذ أنّ هذا التعبير ورد في الكثير من آيات القرآن الكريم التي تتحدّث عن الكفّار حينما تستعرض الاستدلالات التوحيدية.

وجملة «فاسمعون» لا تنافي ما قلنا؛ لأنّ هذه الجملة كانت دعوة لهم لاتّباع قوله، بالضبط كما ورد في قصّة مؤمن آل فرعون حيث قال: (يا قوم اتّبعون أهدكم سبيل الرشاد) غافر 38.

ومن هنا يتّضح أنّ ما ذهب إليه بعض المفسّرين من أنّ المخاطب في هذه الجملة هم اُولئك الرسل، والتعبير ب «ربّكم» وجملة «فاسمعون» قرينة على ذلك لا يقوم عليه دليل سليم.

لكن لننظر ماذا كان ردّ فعل هؤلاء القوم إزاء ذلك المؤمن الطاهر؟

القرآن لا يصرّح بشيء حول ذلك، ولكن يستفاد من طريقة الآيات التالية بأنّهم ثاروا عليه وقتلوه.

نعم فإنّ حديثه المثير والباعث على الحماس والمليء بالاستدلالات القوّية الدامغة، واللافتات الخاصّة والنافذة إلى القلب، ليس لم يكن لها الأثر الإيجابي في تلك القلوب السوداء المليئة بالمكر والغرور فحسب، بل إنّها على العكس أثارت فيها الحقد والبغضاء وسعرت فيها نار العداوة، بحيث أنّهم نهضوا إلى ذلك الرجل الشجاع وقتلوه بمنتهى القسوة والغلظة.