اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنِّيٓ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمۡ فَٱسۡمَعُونِ} (25)

قوله : { إني آمَنتُ بِرَبِّكُمْ } فيه وجوه :

أحدها : أنه خاطب المرسلين . قال المفسرون : أقبل القوم عليه يريدون قتله فأقبل هو للمرسلين وقال : إنِّي آمنت بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُوا قولي واشهدوا لي .

والثاني : هم الكفار لمَّا نصحهم وما نفعهم قال آمنت فاسمعون .

الثالث : بربكم أيها السامعون فاسمعوني على العموم كقول الواعظ : يا مِسْكينُ ما أَكْثَرَ أَمَلَك ( وما أتْرَرَ{[45948]} عَمَلَك ) يريد كل سامع يسمعه وفي قوله «فَاسْمَعُونَ » فوائد منها : أنه كلام متفكر حيث قال : اسمعوا فإن المتكلم إذا كان يعلم أن لكلامه جماعةً سامعين يتفكر ، ومنها أن ينبه القوم ويقول : إن أخبرتكم بما فعلت حتى لا يقولوا لم أخفيت عنا أمرك ولو أظهرته لآمنا معك .

فإن قيل : قال من قبل : مَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الِّذي فطرني ، وقال ههنا : آمنتُ بربكم ولم يقل : آمنت بربي ! ؟ فالجواب : إن قلنا : الخطاب مع الرسل فالأمر ظاهر لأنه لما قال : آمنتُ برَبِّكُمْ ظهر عند الرسل{[45949]} أنه قبل قولهم وآمن بالرب الذي دعوه إليه وقال «بِرَبِّكُمْ » . وإن قلنا : الخطابُ مع الكفار ففيه ( وجوه ){[45950]} بيان للتوحيد لأنه لما قال : «أعبد الذي فطرني » ثم قال : «آمنت بربكم فاسمعون » فُهِمَ أنه يقول : ربي وربكم واحد وهو الذي فطرني وهو بعينه ربكم بخلاف ما لو قال : آمنت بربي فيقول الكافر : وأنا أيضاً آمنت بربي{[45951]} .

قوله : { فاسمعون } العامة على كسر النون وهي نون الوقاية حذفت بعدها ياء الإضافة{[45952]} مُجتزءاً عنْهَا بكسرة النون وهي اللغة الغالبة . وقرأ عِصْمَةُ{[45953]} عن عاصم بفتحها{[45954]} . وليست إلا غلطا ( على عاصم ){[45955]} ، إذ لا وجه ( لها ){[45956]} ، وقد وقع لابن عطية وَهَمٌ فاحش في ذلك فقال : وقرأ الجمهور بفتح النون{[45957]} . وقال أبو حاتم : هذا خطأ فلا يجوز لأنه أمر فإما حذف النون وإما كسرها على جهة الياء{[45958]} ، يعني ياء المتكلم ، وقد يكون قوله : «الجمهور » سبقَ قلم منه أو من النساخ وكان الأصل : وقرأ غيرُ الجمهور فسقط{[45959]} لفظة «غيره » . ( و ){[45960]}


[45948]:زيادة من الفخر الرازي.
[45949]:في (ب) الرجل. تحريف.
[45950]:زيادة من "ب" عن "أ" والفخر الرازي.
[45951]:وانظر: التفسير الكبير للفخر الرازي 26/59و 60.
[45952]:حيث كان الأصل: "اسمعوني" بالنون والياء ولكنه حذف الياء واكتفى عنها بالنون مشيا على الفاصلة كقول الله تعالى: {والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى}.
[45953]:هو عصمة بن عروة أبو نجيح البصري روى القراءة عن أبي عمرو وعاصم بن أبي النجود. وروى عنه الحروف يعقوب الحضرمي وغيره. انظر: غاية النهاية 1/512.
[45954]:ذكرها أبو حيان في بحره 7/329 ومن بعد شهاب الدين السمين في الدر 4/504 وهي من القراءات غير المتواترة فلم أجدها فيها.
[45955]:سقط من نسخة "ب" ما بين القوسين.
[45956]:زيادة لتوضيح المعنى وتكميله.
[45957]:نقله عنه البحر 7/329.
[45958]:المرجع السابق. وفيه: على جهة البناء وهو صحيح الأصل فاسمعوني فحذفت الأولى المفتوحة لأجل البناء ولذلك نقول مبني على حذف النون والأوضح الأول بدليل قوله بعد "ياء المتكلم" فأبدلها من الياء.
[45959]:في "ب" بسقط.
[45960]:سقط من "ب".