السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنِّيٓ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمۡ فَٱسۡمَعُونِ} (25)

ولما أقام الأدلة ولم يبق لأحد تخلف عنه عله صرح بما لوح إليه من إيمانه بقوله :

{ إني آمنت } أي : أوقعت التصديق الذي لا تصديق في الحقيقة غيره ، وفتح الياء نافع وابن كثير وأبو عمرو ، وسكنها الباقون ، واختلف في المخاطب بقوله { بربكم } على أوجه أحدها : أنه خاطب المرسلين قال المفسرون : أقبل القوم عليه يريدون قتله فأقبل هو على المرسلين قال { إني آمنت بربكم فاسمعون } أي : اسمعوا قولي واشهدوا لي ، وثانيها : هم الكفار لما نصحهم وما نفعهم قال { آمنت بربكم فاسمعون } وثالثها : بربكم أيها السامعون فاسمعون على العموم كقول الواعظ : يا مسكين ما أكثر أملك يريد : كل سامع يسمعه فلما قال ذلك وثب القوم عليه وثبة رجل واحد فقتلوه وقال ابن مسعود : وطئوه بأرجلهم ، وقال السدي : كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول : اللهم اهد قومي حتى قطعوه وقتلوه وقال الحسن : خرقوا خرقاً في حلقه فعلقوه في سور المدينة وقبره بأنطاكية مشهور رضي الله تعالى عنه .

تنبيه : في قوله { فاسمعون } فوائد : منها : أنه كلام متفكر حيث قال : اسمعوا فإن المتكلم إذا كان يعلم أن لكلامه جماعة سامعين يتفكر ، ومنها : أن ينبه القوم ويقول : إني أخبرتكم بما فعلت حتى لا تقولوا لم أخفيت عنا أمرك ولو أظهرته لآمنا معك ، فإن قيل : إنه قال من قبل { وما لي لا أعبد الذي فطرني } وقال ههنا : { آمنت بربكم } ولم يقل : آمنت بربي ؟ أجيب : بأنا إن قلنا : الخطاب مع الرسل فالأمر ظاهر ؛ لأنه لما قال { آمنت بربكم } ظهر عند الرسل أنه قبل قولهم وآمن بالرب الذي دعوه إليه وقال { بربكم } وإن قلنا الخطاب مع الكفار ففيه بيان التوحيد ؛ لأنه لما قال { أعبد الذي فطرني } ثم قال { آمنت بربكم } فهم أنه يقول : ربي وربكم واحد وهو الذي فطرني وهو بعينه ربكم بخلاف ما لو قال : آمنت بربي فيقول الكافر : وأنا أيضاً آمنت بربي .

فائدة : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : «أن مثل صاحب يس هذا في هذه الأمة عروة بن مسعود الثقفي حيث نادى قومه بالإسلام ونادى على علية بالأذان فرموه بالسهام فقتلوه » .