الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ وَقَالَ ٱلۡمَسِيحُ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۖ إِنَّهُۥ مَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ} (72)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم}، نزلت في نصارى نجران الماريعقوبيين، منهم السيد والعاقب وغيرهما، قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، {وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم}: وحدوا الله ربي وربكم، {إنه من يشرك بالله}، فيقول: إن الله هو المسيح ابن مريم، فيموت على الشرك، {فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين}: وما للمشركين {من أنصار}: من مانع يمنعهم من النار.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

هذا خبر من الله تعالى ذكره عن بعض ما فَتَن به الإسرائيليين الذين أخبر عنهم أنهم حسبوا أن لا تكون فتنة. يقول تعالى ذكره: فكان مما ابتليتهم واختبرتهم به فنقضوا فيه ميثاقي وغيروا عهدي الذي كنت أخذته عليهم، بأن لا يعبدوا سواي ولا يتخذوا ربا غيري، وأن يوحدوني، وينتهوا إلى طاعة عبدي عيسى ابن مريم، فإني خلقته وأجريت على يده نحو الذي أجريت على يد كثير من رسلي، فقالوا كفرا منهم: هو الله. وهذا قول اليعقوبية من النصارى، عليهم غضب الله، يقول الله تعالى ذكره: فلما اختبرتهم وابتليتهم بما ابتليتهم به أشركوا بي قالوا لخلق من خلقي وعبد مثلهم من عبيدي وبَشَر نحوهم معروف نسبه وأصله مولود من البشر يدعوهم إلى توحيدي ويأمرهم بعبادتي وطاعتي ويقرّ لهم بأني ربه وربهم وينهاهم عن أن يشركوا بي شيئا، هو إلههم جهلاً منهم الله وكفرا به، ولا يَنبغي لله أن يكون والدا ولا مولودا.

"وَقالَ المَسيحُ يا بَنِي إسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبي وَرَبّكُمْ" يقول: اجعلوا العبادة والتذلل للذي له يذلّ كلّ شيء وله يخضع كل موجود، "ربي وربكم"، يقول: مالكي ومالككم، وسيدي وسيدكم، الذي خلقني وإياكم. "إنّهُ مَنْ يُشْركْ باللّهِ فَقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الجَنّةَ" أن يسكنها في الاَخرة، وَمأْوَاهُ النّارُ يقول: ومرجعه ومكانه الذي يأوي إليه ويصير في معاده، من جعل لله شريكا في عبادته نار جهنم. "وَما للظّالِمِينَ" يقول: وليس لمن فعل غير ما أباح الله له وعبد غير الذي له عبادة الخلق، "مِنْ أنْصَارٍ" ينصرونه يوم القيامة من الله، فينقذونه منه إذا أورده جهنم.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

اللام في قوله "لقد "لام القسم. أقسم الله تعالى بأنه "كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" والكفر هو: الجحود لما يجب عليه الإقرار به والتصديق له.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

لم يفرق عيسى عليه الصلاة والسلام بينه وبينهم في أنه عبد مربوب كمثلهم، وهو احتجاج على النصارى {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بالله} في عبادته، أو فيما هو مختص به من صفاته أو أفعاله {فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجنة} التي هي دار الموحدين أي حرّمه دخولها ومنعه منه، كما يمنع المحرّم من المحرّم عليه {وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ} من كلام الله على أنهم ظلموا وعدلوا عن سبيل الحق فيما تقوّلوا على عيسى عليه السلام، فلذلك لم يساعدهم عليه ولم ينصر قولهم ردّه وأنكره، وإن كانوا معظمين له بذلك ورافعين من مقداره. أو من قول عيسى عليه السلام، على معنى: ولا ينصركم أحد فيما تقولون ولا يساعدكم عليه لاستحالته وبعده عن المعقول. أو [و] لا ينصركم ناصر في الآخرة من عذاب الله.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أخبر تعالى بفساد أعمالهم، دل على ذلك بقوله مستفتحاً مبيناً من حال النصارى ما بين من حال اليهود، ومؤكداً لختم آية التبليغ بما ينقض دعواهم في البنوة والمحبة: {لقد كفر} أي ستر ما دل عليه النقل وهدى إليه العقل {الذين قالوا إن الله} أي على ما له من نعوت الجلال والجمال {هو المسيح} فبين بصيغة فعيل -التي لا مانع من أن تكون للمفعول- بُعْدَه عما ادعوه فيه، ثم أوضح ذلك بقوله: {ابن مريم} إيضاحاً لا خفاء معه.

ولما كانت دعوى الاتحاد الذي هو قول اليعقوبية أشد في الكفر وأنفى للإله من دعوى التثليث الذي هو قول النسطورية والملكية القائلين بالأقانيم، قدمها وبين تعالى أنهم خالفوا فيها أمر المسيح الذي ادعوا أنه الإله فقال: {وقال} أي قالوا هذا الذي كفروا به والحال أنه قال لهم {المسيح} ضغطة عليهم ودعاء إلى ما هو الحق {يا بني إسرائيل} أي الذي كان يتشرف بعبادة الله وتسميته بأنه عبده {اعبدوا الله} أي الملك الأعظم الذي كل شيء تحت قهره، فأمرهم بأداء الحق لأهله مذكراً لهم بعظمته، ثم ذكرهم بإحسانه وأنه وإياهم في ذلك شرع واحد، فقال مقدماً لما يتعلق به لأنه أهم لإنكارهم له {ربي وربكم} فلم يطيعوا الإله الحق ولا الذي ادعوه إلهاً، فلا أضل منهم ولا أسفه...

ولما أمرهم بما يفهم منه الإخلاص لله تعالى في العبادة لما ذكر من جلاله وأن ما سواه مربوب، ولأنه أغنى الأغنياء، فمن أشرك به شيئاً لم يعتد له بعبادة، علل ذلك بقوله: {إنه من يشرك} أي الآن أو بعد الآن في زمن من الأزمان {بالله} أي الذي تفرد بالجلال في عبادة أو فيما هو مختص به من صفة أو فعل {فقد حرم الله} أي الذي له الأمر كله فلا أمر لأحد معه {عليه الجنة} أي منعه من دخولها منعاً عظيماً متحتماً.

ولما كان المنع من دار السعداء مفهماً لكونه في دار الأشقياء، صرح به فقال: {ومأواه} أي محل سكناه {النار} ولما جرت عادة الدنيا بأن من نزل به ضيم يسعى في الخلاص منه بأنصاره وأعوانه، نفى ذلك سبحانه مظهراً للوصف المقتضي لشقائهم تعليلاً وتعميماً فقال: {وما للظالمين} أي لهم لظلمهم {من أنصار *} لا بفداء ولا بشفاعة ولا مقاهرة بمجاهرة ولا مساترة، لأن من وضع عمله في غير موضعه فكان ماشياً في الظلام، لا تمكنه أصلاً مقاومة من هو في أتم ضياء..

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

ثم انتقل من بيان حال اليهود إلى بيان حال النصارى في دينهم فقال عز وجل: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} أكد تعالى بالقسم كفر قائلي هذا القول من النصارى، وإذ غلوا في إطراء نبيهم المسيح ابن مريم عليه السلام، غلوا ضادوا به غلو اليهود في الكفر به، وقولهم عليه وعلى أمه الصديقة بهتانا عظيما، ثم صار هو العقيدة الشائعة فيهم، ومن عدل عنها إلى التوحيد يعد مارقا من دينهم، ذلك بأنهم يقولون إن الإله مركب من ثلاثة أصول يسمونها (أقانيم) وهي الآب والابن وروح القدس، ويقولون إن المسيح هو الابن، والله هو الأب، وأن كل واحد من الثلاثة عين الآخرين، فينتج ذلك أن الله هو المسيح، وأن المسيح هو الله بزعمهم. وقد تقدم تفسير مثل هذه الجملة الآية ال 19 من هذه السورة (من هذا الجزء).

{وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} أي والحال أن المسيح قال لهم ضد ما يقولون: أمرهم بعبادة الله تعالى وحده، معترفا بأنه ربه وربهم، فاعترف بأنه عبد مربوب لله تعالى، ودعا بني إسرائيل الذين أرسل إليهم أن يعبدوا الله الذي يعبده هو. ولا يزال أمره هذا محفوظا عندهم فيما حفظوا من إنجيله، في هذه الكتب التي كتبت لبيان بعض سيرته وتاريخه، وهي التي يسمونها الأناجيل. فدين المسيح مبني على التوحيد المحض وهو دين الله الذي أرسل به جميع رسله. وسنعود إلى بيان ذلك في تفسير قوله تعالى في آخر هذه السورة حكاية عنه عليه السلام {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} [المائدة: 117].

{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} أمرهم عليه السلام بالتوحيد الخالص. وقفى عليه بالتحذير من الشرك والوعيد عليه، ببيان أن الحال و الشأن الثابت عند الله تعالى هو أن كل من يشرك بالله شيئا ما من ملك أو بشر، أو كوكب أو حجر، أو غير ذلك، بأن يجعله ندا له. أو متحدا به، أو يدعوه لجلب نفع أو دفع ضر، أو يزعم أنه يقربه إلى الله زلفى، فيتخذه شفيعا زاعما أنه يؤثر في إرادة الله تعالى أو علمه، فيحمله على شيء غير ما سبق به علمه وخصصه إرادته في الأزل، -من يشرك هذا الشرك ونحوه فإن الله يحرم عليه الجنة في الآخرة، بَلْ هُوَ قَدْ حَرَّمَهَا عليه في سابق عمله، بمقتضى دينه الذي أوحاه إلى جميع رسله، فلا يكون له مأوى ولا ملجأ يأوي إليه إلا النار، دار العذاب والهوان، وما لهؤلاء الظالمين لأنفسهم بالشرك من نصير ينصرهم، ولا شفيع ينقذهم {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255]{ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون} [الأنبياء: 28] فالنافع رضاه {ولا يرضى لعباده الكفر} [الزمر:7] وشر أنواعه الشرك. ونكته جمع الأنصار مع كون النكرة المفردة تفيد العموم في سياق النفي. هي التنبيه على كون النصارى كانوا يتكلون على كثير من الرسل والقديسين إذ كانت وثنية الشفاعة قد فشت فيهم، وإن لم تكن من أصل دينهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ذلك شأن اليهود من أهل الكتاب.. فأما شأن النصارى فيبينه السياق القرآني في حسم وتوكيد يتمشيان مع طبيعة السورة؛ وطبيعة الموقف الذي تعالجه..

ولقد سبق في سياق السورة وصف الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم بالكفر. فالآن يكرر هذا الوصف، سواء لمن قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، ومن قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم. مع ذكر شهادة عيسى -عليه السلام- عليهم بالكفر، وتحذيره لهم من وصف أحد بالألوهية إلا الله -سبحانه- واعترافه بأن الله هو ربه وربهم على السواء. ثم تحذير الله لهم في النهاية من المضي فيما هم عليه من الكفر بسبب هذه المقولات التي لا يقول بها المؤمنون بالله وبدينه الصحيح:

(لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم. وقال المسيح: يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم. إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار.. لقد كفر الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة. وما من إله إلا إله واحد. وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم. أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه؟ والله غفور رحيم. ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام. انظر كيف نبين لهم الآيات، ثم انظر أنى يؤفكون. قل: أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا؟ والله هو السميع العليم؟ قل: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق، ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل، وأضلوا كثيرا، وضلوا عن سواء السبيل)..

ولقد سبق أن بينا -باختصار- كيف ومتى تسربت هذه المقولات المنحرفة من المجامع إلى العقيدة النصرانية التي جاء بها عيسى عليه السلام رسولا من عند الله؛ كإخوانه الرسل؛ الذين جاءوا بكلمة التوحيد خالصة؛ لا يشوبها ظل من الشرك؛ لأن الرسالات كلها، جاءت لتقرير كلمة التوحيد في الأرض وإبطال كلمة الشرك.

فالآن نذكر -باختصار كذلك- ما إنتهت إليه تلك المجامع من الاتفاق على التثليث وألوهية المسيح والخلاف فيما بينها بعد ذلك، على النحو الذي أسلفناه..

" جاء في كتاب "سوسنة سليمان "لنوفل بن نعمة الله بن جرجس النصراني: أن عقيدة النصارى التي لا تختلف بالنسبة لها الكنائس، وهي أصل الدستور الذي بينه المجمع النيقاوي هي الإيمان بإله واحد: آب واحد، ضابط الكل، خالق السماوات والأرض، كل ما يرى وما لا يرى. وبرب واحد يسوع، الابن الوحيد المولود من الآب قبل الدهور من نور الله. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق، مساو للأب في الجوهر، الذي به كان كل شيء، والذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خطايانا نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس، ومن مريم العذراء تأنس، وصلب عنا على عهد بيلاطس، وتألم وقبر، وقام من الأموات في اليوم الثالث على ما في الكتب، وصعد إلى السماء وجلس على يمين الرب، وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات، ولا فناء لملكه. والإيمان بالروح القدس، الرب المحيي المنبثق من الآب، الذي هو مع الابن يسجد له، ويمجده، الناطق بالأنبياء "

" وقال الدكتور "بوست" في تاريخ الكتاب المقدس: طبيعة الله عبارة عن ثلاثة أقانيم متساوية: الله الآب، والله الابن، والله الروح القدس. فإلى الآب ينتمي الخلق بواسطة الابن. وإلى الابن الفداء. وإلى الروح القدس التطهير "

ونظرا لصعوبة تصور الأقانيم الثلاثة في واحد، وصعوبة الجمع بين التوحيد والتثليث، فإن الكتاب النصارى عن اللاهوت حاولوا تأجيل النظر العقلي في هذه القضية، التي يرفضها العقل ابتداء. ومن ذلك ما كتبه القس "بوطر" في رسالة "الأصول والفروع" حيث يقول: "قد فهمنا ذلك على قدر طاقة عقولنا. ونرجو ان نفهمه فهما أكثر جلاء في المستقبل حين يكشف لنا الحجاب عن كل ما في السماوات وما في الأرض. وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية "

والله -سبحانه- يقول: إن هذه المقولات كلها كفر. وهي تتضمن -كما رأينا- القول بألوهية المسيح عليه السلام؛ والقول بأن الله ثالث ثلاثة.. وليس بعد قول الله -سبحانه- قول. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل:

لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم. وقال المسيح: يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم، إنه من يشرك بالله فقد رحم الله عليه الجنة، ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار..

وهكذا حذرهم المسيح عليه السلام فلم يحذروا، ووقعوا بعد وفاته عنهم فيما حذرهم من الوقوع فيه، وما أنذرهم عليه الحرمان من الجنة والانتهاء إلى النار.. ونسوا قول المسيح -عليه السلام -: (يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم)..

حيث أعلن لهم أنه هو وهم في العبودية سواء، لربوبية الله الواحد الذي ليس له من شركاء.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

... الواو في قوله {وقال المسيح} واو الحال. والجملة حال من {الّذين قالوا إنّ الله هو المسيح}، أي قالوا ذلك في حال نِداء المسيح لبني إسرائيل بأنّ الله ربّه وربّهم، أي لا شبهة لهم، فهم قالوا: إنّ الله اتّحد بالمسيح؛ في حال أنّ المسيح الّذي يزعمون أنهم آمنوا به والّذي نسبوه إليه قد كذّبهم، لأنّ قوله: {ربّي وربّكم}، يناقض قولهم: {إنّ الله هو المسيح}، لأنّه لا يكون إلاّ مربُوباً، وذلك مفاد قوله: {ربّي}، ولأنّه لا يكون مع الله إله آخر، وذلك مفاد قوله {وربَّكم}، ولذلك عُقّب بجملة {إنّه مَن يشرك بالله فقَد حرّم الله عليه الجنَّة}. فيجوز أن تكون هذه الجملة حكاية لكلام صدر من عيسى عليه السّلام فتكون تعليلاً للأمر بعبادة الله. ووقوع (إنّ) في مثل هذا المقام تغني غَناء فاء التّفريع وتفيد التّعليل. وفي حكايته تعريض بأنّ قولهم ذلك قد أوقعهم في الشرك وإن كانوا يظنّون أنّهم اجتنبوه حذراً من الوقوع فيما حذّر منه المسيح، لأنّ الّذين قالوا: إنّ الله هو المسيح. أرادوا الاتّحاد بالله وأنّه هو هُو. وهذا قول اليعاقبة كما تقدّم آنفاً، وفي سورة النّساء. وذلك شرك لا محالة، بل هو أشدّ، لأنّهم أشركوا مع الله غيره ومزجوه به فوقعوا في الشّرك وإن راموا تجنّب تعدّد الآلهة، فقد أبطل الله قولهم بشهادة كلام من نسبوا إليه الإلهية إبطالاً تامّاً.

وإن كانت الجملة من كلام الله تعالى فهو تذييل لإثبات كفرهم وزيادة تنبيه على بطلان معتقدهم وتعريض بهم بأنّهم قد أشركوا بالله من حيث أرادوا التّوحيد. والضّمير المُقترن بإنّ ضمير الشأن يدلّ على العناية بالخبر الوارد بعده. ومعنى {حَرّم الله عليه الجَنّة} منعها منه، أي من الكون فيها.

والمأوى: المكان الّذي يأوي إليه الشيء، أي يرجع إليه.

وجملة {وما للظّالمين من أنصار} يحتمل أيضاً أن تكون من كلام المسيح عليه السلام على احتمال أن يكون قوله: {إنّه من يشرك بالله} من كلامه، ويحتمل أن تكون من كلام الله تعالى تذييلاً لكلام المسيح على ذلك الاحتمال، أو تذييلاً لكلام الله تعالى على الاحتمال الآخر. والمراد بالظّالمين المشركون {إنّ الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13]، أي ما للمشركين من أنصار ينصرونهم لينقذوهم من عذاب النّار.

فالتّقدير: ومأواه النّار لا محالة ولا طمع له في التّخلّص منه بواسطة نصير، فبالأحرى أن لا يتخلّص بدون نصير.