تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ وَقَالَ ٱلۡمَسِيحُ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۖ إِنَّهُۥ مَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ} (72)

التفسير :

72- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ . . . الآية

بعد أن تحدث الله عن اليهود ونقضهم الميثاق ، وتكذيبهم وقتلهم الأنبياء ، شرع هنا في الكلام عن النصارى فحكى عن فريق منهم أنهم قالوا : إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ .

قال الفخر الرازي : وهذا هو قول اليعقوبية ، لأنهم يقولون : إن مريم ولدت إلها ، ولعل معنى هذا المذهب أنهم يقولون : إن الله تعالى حل في ذات عيسى واتحد بذات عيسى اه .

والمعنى : أقسم لقد كفر أولئك النصارى الذين قالوا كذبا وزورا : إن الله المستحق للعبادة هو المسيح ابن مريم مع أنه بشر ولا يصح أن يكون إلها .

ونسبة المسيح إلى مريم ، للإيذان بأنه ليس له حظ من الألوهية وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ .

أي : قال المسيح مكذبا من وصفه بالألوهية :

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ . وحده ولا تشركوا به شيئا فهو ربي الذي خلقني وتعهدني بالتربية والرعاية ، وهو ربكم الذي أنشأكم وأوجدكم ورزقكم من الطيبات . ومع أن الأناجيل قد حرفت ، لكنها بقيت فيها بقية ناطقة بالتوحيد تؤيد أن المسيح عبد الله ورسوله ، ومن ذلك ما قاله المسيح : " وهذه هي الحياة الأبدية : أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع : المسيح الذي أرسلته " يوحنا 17-30 .

قوله : " وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله " .

وقوله : " للرب إلهك نسجد وإياه وحده نعبده " متى 4-10 .

وقوله : " ليس لأعمل لمشيئتي بل لمشيئة الذي أرسلني " يوحنا 6-38 .

إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ . إن الحال والشأن ، أن الله حرم الجنة على من أشرك في عبادته أحدا من خلقه ، وجعل مأواه النار . أي : جعل مستقره ومكانه النار بدل الجنة .

والجملة الكريمة تحذير من الإشراك بالله وبيان عاقبة الشرك فقد جمعت الآية بين العقوبة السلبية وهي حرمان المشرك من الجنة وبين العقوبة الإيجابية وهي الاستقرار في النار .

وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ . أي : من ظلموا أنفسهم فقابلوا نعم الله المتوالية عليهم بالكفر لا ينقذهم احد من عقابه ولا تنفعهم شفاعة الشافعين ، وهذه الجملة الكريمة ، يحتمل أن تكون من كلام عيسى الذي حكاهالله عنه ، ويحتمل أن تكون من كلام الله تعالى ؛ لتأكيد ما قاله المسيح من دعوته لقومه بعبادة الله وحده والتحذير من الشرك بالله تعالى .