فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ وَقَالَ ٱلۡمَسِيحُ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۖ إِنَّهُۥ مَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ} (72)

{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار 72 } .

{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم } هذا كلام مبتدأ يتضمن بيان بعض فضائح أهل الكتاب والقائلون بهذه المقالة هم فرقة منهم يقال لهم اليعقوبية وقيل هم الملكانية قالوا : إن الله عز وجل حل في ذات عيسى ، وأن مريم ولدت إلها فرد الله عليهم بقوله : { وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم } أي والحال أن قد قال المسيح هذه المقالة فكيف يدعون الآلهية لمن يعترف على نفسه بأنه عبد مثلهم ، ودلائل الحدوث ظاهرة عليه{[656]} .

{ إنه } الشأن { من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة } كلام مبتدأ يتضمن بيان أن الشرك يوجب الجنة إذا مات صاحبه على شركه ، وقيل هو من قول عيسى { مأواه النار } أي مصيره إليها في الآخرة .

{ وما للظالمين } أي : المشركين ، فيه مراعاة معنى { من } بعد مراعاة لفظها ، وفيه الإظهار في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بوصف الظلم { ومن أنصار } ينصرونهم فيدخلونهم الجنة أو يخلصونهم من النار ويمنعونهم من عذاب الله ، وصيفة الجمع هنا للإشعار بأن نصرة الواحد أمر غير محتاج إلى التعرض لنفيه لشدة ظهوره وإنما ينبغي التعرض لنفي نصرة الجمع .


[656]:روى الإمام ابن الجوزي قال محمد بن كعب: لما رفع عيسى اجتمع مئة من علماء بني إسرائيل، وانتخبوا منهم أربعة، فقال أحدهم: عيسى هو الله كان في الأرض ما بدا له، ثم صعد إلى السماء، لأنه لا يحي الموتى ولا يبرئ الأكمه والأبرص إلا الله. وقال الثاني: ليس كذلك، لأنا قد عرفنا عيسى، وعرفنا أمه، ولكنه ابن الله، وقال الثالث: لا أقول كما قلتما، ولكن جاءت به أمه من عمل غير صالح. فقال الرابع: لقد قلتم قبيحا، ولكنه عبد الله ورسوله، وكلمته، فخرجوا، فاتبع كل رجل منهم عنق من الناس.