الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{كَذَٰلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُواْ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ} (52)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول الله تعالى {كذلك} يعني هكذا {ما أتى الذين من قبلهم} يعني الأمم الخالية {من رسول إلا قالوا} لرسولهم هو {ساحر أو مجنون} كقول كفار مكة لمحمد صلى الله عليه وسلم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: كما كذبت قريش نبيها محمدا صلى الله عليه وسلم، وقالت: هو شاعر، أو ساحر أو مجنون، كذلك فعلت الأمم المكذّبة رسلها، الذين أحلّ الله بهم نقمته، كقوم نوح وعاد وثمود، وفرعون وقومه، ما أتى هؤلاء القوم الذين ذكرناهم من قبلهم، يعني من قبل قريش قوم محمد صلى الله عليه وسلم من رسول إلا قالوا: ساحر أو مجنون، كما قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ساحر أو مجنون} قال أبو بكر الأصمّ: إنما قالوا: ساحر أو مجنون لأن السّحر والجنون عندهم واحد كقول فرعون لموسى عليه السلام لما أتى به من الآيات: {إني لأظنك يا موسى مسحورا} [الإسراء: 101] فلذلك قالوا مرة: ساحر، ومجنون مرة. ولكن هذا فاسد؛ فإنه لا يحتمل أن يكون الجنون والسّحر عندهم واحدا لأن الساحر، هو الذي بلغ في العلم في كل شيء غايته، والمجنون هو الذي بلغ في الجهل غايته. ونُسبوا رُسلَهم إلى السحر لما أتَوا لهم من الآيات ما عجِز الناس عن إتيان مثلها، وقد عرفوا هم أنها آيات؛ أعني رؤساءهم وأئمّتهم. لكن قالوا: إنها سحر على إرادة التلبيس على الأتباع والعامة لما عند الناس أن لا كل أحد يقدر على إتيان السحر، فقالوا: إنهم سحرة للرسل لهذا. وإنما نسبوهم إلى الجنون لما أنهم خالفوا الفراعنة والأكابر الذين كان همُّهم القتل وإهلاك من خالفهم في المذهب والأمر، والله أعلم...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

ثم قال مثل ما أتى هؤلاء الكفار نبي فكذبوه (كذلك ما أتى الذين من قبلهم) من الأمم (رسول إلا قالوا) هو (ساحر أو مجنون)... فالساحر هو الذي يحتال بالحيل اللطيفة. والمجنون الذي به جنون. وإنما قال الجهال ذلك في الرسل لأن الإقدام عندهم على إنكار عبادة الأوثان لا يكفي فيه الشبهة دون الجنة، فالمجنون المغطى على عقله بما لا يتوجه للإدراك به، فكذلك شبه حال قريش في التكذيب بحال الأمم حتى قالوا: ساحر أو مجنون. وإنما جاز منهم الاتفاق على تكذيب الرسل من غير تواص ولا تلاق، لأن الشبهة الداعية إليه واحدة.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{كذلك} تقديره: سيرة الأمم كذلك، أو الأمر في القديم كذلك.

وقوله: {إلا قالوا ساحر أو مجنون} معناه: إلا قال بعض: هذا وبعض: هذا وبعض: الجميع، ألا ترى أن قوم نوح لم يقولوا قط: {ساحر} وإنما قالوا: {به جنة} [سبأ: 8] فلما اختلف الفرق جعل الخبر عن ذلك بإدخال أو بين الصفتين، وليس المعنى أن كل أمة قالت عن نبيها إنه ساحر أو هو مجنون، فليست هذه كالمتقدمة في فرعون، بل هذه كأنه قال: إلا قالوا هو ساحر وهو مجنون...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... فيه لطيفة واحدة لا نتركها، وهي أن هذه الآية دليل على أن كل رسول كُذِّبَ.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ساحر أو مجنون} لأن الرسول يأتيهم بمخالفة مألوفاتهم التي قادتهم إليها أهواؤهم، والهوى هو الذي أوجب لهم هذا التناقض الظاهر سواء كانت "أو " للتفصيل بأن بعضهم قال واحداً وبعضهم قال آخر، أو كانت للشك لأن الساحر يكون لبيباً فطناً آتياً بما يعجز عنه كثير من الناس، والمجنون بالضد من ذلك.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وكأنما كانت هذه الإشارة إلى آية السماء وآية الأرض وآية الخليقة استطرادا مع آيات الرسالات والرسل. فلما انتهت جاء التعقيب على قصص الرسل التي سلفت في السياق:

(كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا: ساحر أو مجنون. أتواصوا به؟ بل هم قوم طاغون. فتول عنهم فما أنت بملوم. وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)..

فهي جبلة واحدة وطبيعة واحدة للمكذبين؛ وهو استقبال واحد للحق وللرسل يستقبلهم به المنحرفون: (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا: ساحر أو مجنون)..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

كلمة {كذلك} فصل خطاب تدل على انتهاء حديث والشروع في غيره، أو الرجوع إلى حديث قبله أتى عليه الحديث الأخير. والتقدير: الأمر كذلك. والإِشارة إلى ما مضى من الحديث، ثم يورد بعده حديث آخر والسامع يردّ كُلاً إلى ما يناسبه، فيكون ما بعد اسم الإِشارة متصلاً بأخبار الأمم التي تقدم ذكرها من قوم لوط ومن عطف عليهم.

أُعقب تهديد المشركين بأن يحل بهم ما حلّ بالأمم المكذبين لرسل الله من قبلهم بتنظيرهم بهم في مقالهم، وقد تقدم ورود {كذلك} فصلاً للخطاب عند قوله تعالى: {كذلك وقد أحطنا بما لديه خبراً} في سورة الكهف (91)، فقوله: {كذلك} فصل وجملة {ما أتى الذين من قبلهم من رسول} الآية مستأنفة استئنافاً ابتدائياً.

ولك أن تجعل قوله: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم} إلخ مبدأ استئناف عوداً إلى الإِنحاء على المشركين في قولهم المختلف بأنواع التكذيب في التوحيد والبعث وما يتفرع على ذلك.

واسم الإِشارة راجع إلى قوله: {إنكم لفي قول مختلف} [الذاريات: 8] الآية كما علمت هنالك، أي مثل قولهم المختلف قال الذين من قبلهم لما جاءتهم الرسل، فيكون قوله {كذلك} في محل حال وصاحب الحال {الذين من قبلهم}.

وعلى كلا الوجهين فالمعنى: إن حال هؤلاء كحال الذين سبقوهم ممن كانوا مشركين أن يصفوا الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر، أو مجنون فكذلك سيجيب هؤلاء عن قولك: « فروا إلى الله ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر» بمثل جواب من قبلهم فلا مطمع في ارعوائهم عن عنادهم.

والمراد ب {الذين من قبلهم} الأمم المذكورة في الآيات السابقة وغيرهم، وضمير {قبلهم} عائد إلى مشركي العرب الحاضرين.

وزيادة {مِن} في قوله: {من رسول} للتنصيص على إرادة العموم، أي أن كل رسول قال فيه فريق من قومه: هو ساحر، أو مجنون، أي قال بعضهم: ساحر، وقال بعضهم: مجنون، مثل قوم نوح دون السحر إذ لم يكن السحر معروفاً في زمانهم قالوا: {إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين} [المؤمنون: 25]. وقد يجمعون القولين مثل قول فرعون في موسى.

وهذا العموم يفيد أنه لم يخْل قوم من الأقوام المذكورين إلا قالوا لرسولهم أَحَدَ القولين، وما حكي ذلك عن بعضهم في آيات أخرى بلفظه أو بمرادفه كقول قوم هود {إن نقول إلا اعْتراك بعض آلهتنا بسوء} [هود: 54].

وأول الرسل هو نوح كما هو صريح الحديث الصحيح في الشفاعة. فلا يرد أن آدم لم يكذبه أهله، وأن أنبياء بني إسرائيل مثل يوشع وأشعيا، لم يكذبهم قومهم، لأن الله قال: {من رسول}، والرسول أخص من النبي.

والاستثناء في {إلا قالوا ساحر} استثناء من أحوال محذوفة.

والمعنى: ما أتى الذين من قبلهم من رسول في حال من أحوال أقوالهم إلا في حال قولهم: ساحر أو مجنون.

والقصر المستفاد من الاستثناء قصر ادعائي لأن للأمم أقوالاً غير ذلك وأحوالاً أخرى، وإنما قُصروا على هذا اهتماماً بذكر هذه الحالة العجيبة من البهتان، إذ يرمون أعقل الناس بالجنون وأقومهم بالسحر.

وإسناد القول إلى ضمير الذين من قبل مشركي العرب الحَاضرين إسناد باعتبار أنه قول أكثرهم فإن الأمور التي تنسب إلى الأقوام والقبائل تجري على اعتبار الغالب.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{كَذلِكَ} أي هذا الأسلوب الذي مارسه المشركون من قريش ومن غيرها في اتهام الرسول بالسحر أو الجنون، لم يكن أسلوباً جديداً، بل هو استمرارٌ للأساليب السابقة التي استعملت في مواجهة الأنبياء من قبله، فليست هناك خصوصيةٌ لهؤلاء، بل المسألة مسألة الكفر الذي يفقد الحجة على مضمونه الفكري، كما يفقد الرّد على مضمون الرسالة، وموقف الحق في شخصية الرسول، فيعمد أهله إلى توزيع الاتهامات بطريقةٍ غير مسؤولة. وهكذا تمتدّ رحلة الكفر التاريخي في مواجهة الإيمان تاريخياً في رسالات الله {مَآ أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} ليبطلوا تأثيره في النفوس، معتمدين في ذلك على تفكير الجماهير السطحي الذي يجعل قناعاتهم محكومة للشائعات دون تعمق في مناقشة الأمور ودراسة نقاط ضعفها وقوّتها...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

فبناءً على ذلك لا تحزن ولا تكترث وواصل المسير بالصبر والاستقامة، لأنّ مثل هذه الكلمات قيلت في أمثالك يا رسول الله من رجال الحقّ وأهله.