تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{كَذَٰلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُواْ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ} (52)

الآية 52 وقوله تعالى : { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون } لم يذكر في هذا الموضع القول منهم : إنهم قالوا للرسول عليهم السلام : إنك ساحر أو مجنون . ولكن إن لم يكن مذكورا في ظاهره ، لكن ما ذكر أن أوائلهم كانوا يقولون لرُسلهم ذلك دلالة أنهم قد قالوا : إنه ساحر وإنه مجنون ، حين{[19937]} قال : { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون } يصبّر رسوله صلى الله عليه وسلم على أذاهم بنسبتهم إياه إلى السّحر أو الجنون كقوله تعالى : { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل } [ الأحقاف : 35 ] وغير ذلك من الآيات التي فيها الأمر بالصبر على أذاهم والله أعلم .

ثم قوله تعالى : { ساحر أو مجنون } قال أبو بكر الأصمّ : إنما قالوا : ساحر أو مجنون لأن السّحر والجنون عندهم واحد كقول فرعون لموسى عليه السلام لما أتى به من الآيات : { إني لأظنك يا موسى مسحورا } [ الإسراء : 101 ] فلذلك قالوا مرة : ساحر ، ومجنون مرة .

ولكن هذا فاسد ؛ فإنه لا يحتمل أن يكون الجنون والسّحر عندهم واحدا لأن الساحر ، هو الذي بلغ في العلم في كل شيء غايته ، والمجنون هو الذي بلغ في الجهل غايته .

[ ونُسبوا رُسلَهم ]{[19938]} إلى السحر [ لما أتَوا ]{[19939]} لهم من الآيات ما عجِز الناس عن إتيان مثلها ، وقد عرفوا هم أنها آيات ؛ أعني رؤساءهم وأئمّتهم . لكن قالوا : إنها [ سحر ]{[19940]} على إرادة التلبيس على الأتباع والعامة لما عند الناس أن لا كل أحد يقدر على إتيان السحر ، فقالوا : إنهم سحرة للرسل لهذا .

وإنما نسبوهم إلى الجنون لما أنهم خالفوا الفراعنة والأكابر الذين كان همُّهم القتل وإهلاك من خالفهم في المذهب والأمر ، والله أعلم .


[19937]:في الأصل وم: حيث.
[19938]:في الأصل وم: ونسبوهم.
[19939]:في الأصل: إلى أتى، في م: لما أتى.
[19940]:من م، ساقطة من الأصل.