الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{كَذَٰلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُواْ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ} (52)

قوله : { كَذَلِكَ } : فيه وجهان ، أظهرُهما : أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي : الأمرُ مثلُ ذلك . والإِشارةُ ب " ذلك " قال الزمخشريُّ : " إلى تكذيبهِم الرسولَ وتسميتِه ساحراً ومجنوناً " ثم فَسَّر ما أَجْمل بقولِه : " ما أَتى " . والثاني : أن الكاف في محلِّ نصبٍ نعتاً لمصدر محذوف ، قاله مكي ، ولم يُبَيِّنْ تقديرَه/ ولا يَصِحُّ أَنْ ينتصِبَ بما بعده لأجل " ما " النافية . وأمَّا المعنى فلا يمتنعُ ، ولذلك قال الزمخشري : " ولا يَصِحُّ أن تكون الكافُ منصوبةً ب " أتى " لأنَّ " ما " النافيةَ لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، ولو قيل : لم يأتِ لكان صحيحاً " يعني لو أتى في موضع " ما " ب " لم " لجازَ أن تنتصِبَ الكافُ ب " أتى " لأن المعنى يَسُوغ عليه . والتقدير : كَذَّبَتْ قريشٌ تكذيباً مثلَ تكذيب الأمم السابقة رسلَهم . ويَدُلُّ عليه قولُه : { مَآ أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } الآية .

قوله : { إِلاَّ قَالُواْ } الجملةُ القوليةُ في محلِّ نصب على الحال من { الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، و " من رسولٍ " فاعلُ " أتى " كأنه قيل : ما أتى الأوَّلين رسولٌ إلاَّ في حالِ قولهم : هو ساحرٌ . والضميرُ في " به " يعودُ على القولِ المدلولِ عليه ب " قالوا " أي : أتواصَى الأوَّلُوْن والآخرِون بهذا القولِ المتضمِّنِ لساحرٍ أو مجنونٍ ، والاستفهامُ للتعجب .