السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{كَذَٰلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُواْ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ} (52)

{ كذلك } أي مثل قول قومك المختلف العظيم الشناعة البعيد من الصواب بما له من الاضطراب وقع لمن قبلهم ودلّ على هذا المقدّر بقوله تعالى مستأنفاً { ما أتى الذين من قبلهم } أي : كفار مكة وعمم النفي فقال تعالى : { من رسول } أي من عند الله تعالى { إلا قالوا ساحر أو مجنون } أي مثل تكذيبهم لك بقولهم ذلك لأنّ الرسول يأتيهم بمخالفة مألوفاتهم التي قادتهم إليها أهواؤهم ، والهوى هو الذي أوجب لهم هذا التناقض الظاهر سواء أكانت أو للتفصيل ، لأنّ بعضهم قال : واحداً ، وبعضهم قال : آخر ، أو كانت للشك لأنّ الساحر يكون لبيباً فطناً آتياً بما يعجز عنه كثير من الناس ، والمجنون بالضدّ من ذلك .

فإن قيل : قوله تعالى { إلا قالوا } يدل على أنهم كلهم قالوا ذلك والأمر ليس كذلك ، لأنّ ما من رسول إلا وآمن به قوم أجيب : بأنّ ذلك ليس بعام فإنه لم يقل إلا قالوا كلهم وإنما قال إلا قالوا ولما كان كثير منهم قائلين قال تعالى إلا { إلا قالوا } .

فإن قيل : فلم لم يذكر المصدّقين كما ذكر المكذبين ، وقال : إلا قال بعضهم : صدقت وبعضهم كذبت أجيب : بأنّ المقصود التسلية وهي أعلى التكذيب فكأنه تعالى قال لا تأس على تكذيب قومك فإنّ أقواماً قبلك كذبوا ورسلاً كذبوا .