الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (4)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: يعلم ربكم أيها الناس ما في السموات السبع والأرض من شيء، لا يخفى عليه من ذلك خافية" وَيَعْلَمُ ما تُسِرّون "أيها الناس بينكم من قول وعمل "وَما تُعْلِنُونَ" من ذلك فتظهرونه.

"وَاللّهُ عَلِيمٌ بذَاتِ الصّدُورِ" يقول جلّ ثناؤه: والله ذو علم بضمائر صدور عباده، وما تنطوي عليه نفوسهم، الذي هو أخفى من السرّ، لا يعزب عنه شيء من ذلك. يقول تعالى ذكره لعباده: احذَروا أن تسرّوا غير الذي تعلنون، أو تضمروا في أنفسكم غير ما تُبدونه، فإن ربكم لا يخفى عليه من ذلك شيء، وهو محص جميعه، وحافظ عليكم كله.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

نبه بعلمه ما في السموات والأرض، ثم بعلمه ما يسره العباد ويعلنونه، ثم بعلمه ذوات الصدور: أن شيئاً من الكليات والجزئيات غير خاف عليه ولا عازب عنه، فحقه أن يتقي ويحذر ولا يجترأ على شيء مما يخالف رضاه. وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد، وكل ما ذكره بعد قوله تعالى: {فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} [التغابن: 2] كما ترى في معنى الوعيد على الكفر، وإنكار أن يعصى الخالق ولا تشكر نعمته فما أجهل من يمزج الكفر بالخلق ويجعله من جملته، والخلق: أعظم نعمة من الله على عباده، والكفر: أعظم كفران من العباد لربهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{يعلم} أي علمه حاصل في الماضي والحال والمآل يتعلق بالمعلومات على حسب تعليق قدرته على وفق إرادته بوجدانها {ما} أي الذي أو كل شيء {في السماوات} كلها... {والأرض} ولما ذكر حال الظرف على وجه يشمل المظروف، وكان الاطلاع على أحوال العقلاء أصعب، قال مؤكداً بإعادة العامل: {ويعلم} أي على سبيل الاستمرار {ما تسرون} أي حال الانفراد وحال الخصوصية مع بعض الإفراد...

{وما تعلنون} من الكليات والجزيئات...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(يعلم ما في السماوات والأرض، ويعلم ما تسرون وما تعلنون، والله عليم بذات الصدور).. واستقرار هذه الحقيقة في القلب المؤمن يفيده المعرفة بربه، فيعرفه بحقيقته. ويمنحه جانبا من التصور الإيماني الكوني. ويؤثر في مشاعره واتجاهاته؛ فيحيا حياة الشاعر بأنه مكشوف كله لعين الله. فليس له سر يخفى عليه، وليس له نية غائرة في الضمير لا يراها وهو العليم بذات الصدور...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون} دحضا لشبهتهم، أي أن الذي يعلم ما في السماوات والأرض لا يعجزه تفرق أجزاء البدن إذا أراد جمعها. والذي يعلم السرّ في نفس الإِنسان، والسرُّ أدق وأخفى من ذرات الأجساد المتفرقة، لا تخفى عليه مواقع تلك الأجزاء الدقيقة...

وقد تضمن قوله: {ويعلم ما تسرون وما تعلنون} وعيداً ووعداً ناظريْن إلى قوله: {فمنكم كافر ومنكم مؤمن} [التغابن: 2]...

وإعادة فعل {يعلم} للتنبيه على العناية بهذا التعلق الخاص للعلم الإِلهي بعد ذكر تعلقه العام في قوله: {يعلم ما في السموات والأرض} تنبيهاً على الوعيد والوعد بوجه خاص.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

تجسّد هذه الآية علم الله اللامتناهي في ثلاثة مستويات:

علمه بكلّ المخلوقات، وما في السموات والأرض.

ثمّ علمه بأعمال الإنسان كافّة، سواء أضمرها أو أظهرها.

والثالث علمه بنيّة الإنسان وعقائده الداخلية التي تحكم قلب الإنسان وروحه.

ولا شكّ أنّ معرفة الإنسان بهذا العلم الإلهي ستترك عليه آثاراً تربوية كثيرة، وتحذّره بأنّ جميع تحرّكاته وسكناته وكلّ تصرّفاته ونيّاته، وفي أي مكان كانت، إنّما هي في علم الله وتحت نظره تبارك وتعالى. وممّا لا شكّ فيه أنّ ذلك سيهيئ الإنسان للحركة نحو الرقي والتكامل.