يجوز أن تكون هذه الجملة معطوفة على جملة { سأصرف عن آياتي } [ الأعراف : 146 ] إلى آخر الآيات على الوجهين السابقين ويجوز أن يكون معطوفة على جملة { ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا } [ الأعراف : 146 ] ، ويجوز أن تكون تذييلاً معترضاً بين القصتين وتكون الواو اعتراضية ، وأيّاً ما كان فهي آثارها الإخبار عنهم بأنهم إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً ، فإن ذلك لما كان هو الغالب على المتكبرين الجاحدين للآيات ، وكأن لا تخلو جماعة المتكبرين من فريق قليل يتخذ سبيل الرشد عن حلم وحب للمحمدة ، وهم بعض سادة المشركين وعظماؤهم في كل عصر ، كانوا قد يحسب السامع أنْ ستنفعهم أعمالهم ، أزيل هذا التوهم بأن أعمالهم لا تنفعهم مع التكذيب بآيات الله ولقاء الآخرة ، وأشير إلى أن التكذيب هو سبب حبط أعمالهم بتعريفهم بطريق الموصولية ، دون الإضمار ، مع تقدم ذكرهم المقتضي بحسب الظاهر الإضمار فخولف مقتضى الظاهر لذلك .
وإضافة { ولقاء } إلى { الآخرة } على معنى ( في ) لأنها إضافة إلى ظرف المكان ، مثلُ { عقْبى الدار } [ الرعد : 24 ] أي لقاء الله في الآخرة ، أي لقاء وعده ووعيده .
والحبط فساد الشيء الذي كان صالحاً ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } في سورة المائدة ( 5 ) .
وجملة : { هل يُجْزَون إلاّ ما كانوا يعملون } مستأنفة استينافاً بيانياً ، جواباً عن سؤال ينشأ عن قوله : { حبطت أعمالهم } إذ قد يقول سائل : كيف تحبط أعمالهم الصالحة ، فأجيب بأنهم جُوزُوا كما كانوا يعملون ، فإنهم لما كذبوا بآيات الله كانوا قد أحالوا الرسالة والتبليغ عن الله ، فمن أين جاءهم العلم بأن لهم على أعمالهم الصالحة جزاءً حسناً ، لأن ذلك لا يعرف إلاّ بإخبار من الله تعالى ، وهم قد عطلوا طريق الإخبار وهو الرسالة ، ولأن الجزاء إنما يظهر في الآخرة ، وهم قد كذبوا بلقاء الآخرة ، فقد قطعوا الصلة بينهم وبين الجزاء ، فكان حبط أعمالهم الصالحة وفاقاً لاعتقادهم .
والمراد ب { ما كانوا يعملون } ما كانوا يعتقدون ، فأطلق على التكذيب بالآيات وبلقاء الآخرة فعلُ { يَعملون } لأن آثار الاعتقاد تظهر في أقوال المعتقد وأفعاله ، وهي من أعماله .
والاستفهام ب { هل } مُشْرب معنى النفي ، وقد جعل من معاني ( هل ) النفيُ ، وقد بيناه عند قوله تعالى : { هل تجزون إلاّ ما كنتم تعملون } في سورة النمل ( 90 ) ، فانظره هناك .
{ وما كانوا يعملون } مقدر فيه مضاف ، والتقدير مكافىء ما كانوا يعملون بقرينة قوله : { يُجزون } لأن الجزاء لا يكون نفس المجزي عليه ، فإن فعل جَزى يتعدى إلى العوض المجعول جزاء بنفسه ، ويتعدى إلى العمل المجزي عليه بالباء ، كما قال تعالى : { وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً } [ الإنسان : 12 ] ونظير هذه الآية قوله في سورة الأنعام ( 139 ) { سيجزيهم وصفهم . }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.