الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡۚ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (147)

قوله تعالى : { وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ } : في خبره وجهان أحدهما : أنه الجملة من قوله { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } ، و { هَلْ يُجْزَوْنَ } خبر ثان أو مستأنف . والثاني : أن الخبرَ " هل يُجْزون " والجملةُ من قوله " حَبِطَتْ " في محلِّ نصب على الحال ، و " قد " مضمرة معه عند مَنْ يَشْترط ذلك ، وصاحبُ الحال فاعلُ " كذَّبوا " .

قوله : { وَلِقَآءِ الآخِرَةِ } فيه وجهان ، أحدهما : أنه من باب إضافة المصدر لمفعوله ، والفاعل محذوف والتقدير : ولقائهم الآخرة . والثاني : أنه من باب إضافة المصدر للظرف ، بمعنى " ولقاء ما وعد الله في الآخرة " ، ذكرهما الزمخشري . قال الشيخ : " ولا يجيز جُلَّةُ النحويين الإِضافةَ إلى الظرف لأن الظرفَ على تقديرِ " في " ، والإِضافةُ عندهم على تقدير اللام أو " مِنْ " ، فإن اتُّسِع في العامل جازَ أن يُنْصَب الظرفُ/ نَصْبَ المفعول ، ويجوز إذ ذاك أن يُضافَ مصدرُه إلى ذلك الظرف المتَّسَع في عاملِه ، وأجازَ بعض النحويين أن تكون الإِضافةُ على تقدير " في " كما يُفهِمُ ظاهرُ كلامِ الزمخشري " .

قوله : { هَلْ يُجْزَوْنَ } هذا الاستفهامُ معناه النفي ، ولذلك دخلت " إلا " ، ولو كان معناه التقريرَ لكان موجِباً فيَبْعُد دخول " إلا " أو يمتنع . وقال الواحدي هنا : " لا بد من تقديرِ محذوفٍ ، أي : إلا بما كانوا ، أو على ما كانوا ، أو جزاء ما كانوا " . قلت : لأن نفسَ ما كانوا يَعْملونه لا يُجْزَوْنَه إنما يُجْزون بمقابله وهو واضح .