اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡۚ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (147)

قوله : { والذين كَذَّبُواْ } في خبره وجهان ، أحدهما : أنَّهُ الجملةُ من قوله " حَبِطَتْ أعْمالُهُم " و " هل يُجْزَونَ " - خبر ثان ، أو مستأنف والثاني : أنَّ الخبر هَلْ يجزونَ والجملةُ من قوله حَبِطَتْ في محلِّ نصب على الحالِ ، و " قَدْ " مضمرة معه ، عند من يشترط ذلك ، وصاحبُ الحال فاعلُ كَذَّبُوا .

قوله : ولقاء الآخرةِ فيه وجهان ، أحدهما : أنَّهُ من باب إضافة المصدر لمفعوله ، والفاعل محذوف ، والتقديرُ : ولقائهم الآخرة . والثاني : أنَّهُ من باب إضافة المصدر للظرف يعني : ولقاء ما وعد الله في الآخرة . ذكرهما الزمخشريُّ .

قال أبُو حيَّان : " ولا يُجيز جُلَّةُ النَّحويين الإضافة إلى الظَّرف ، لأنَّ الظَّرف على تقدير " في " ، والإضافةُ عندهم على تقدير اللاَّم ، أو " مِنْ " فإن اتُّسِعَ في العَامِل جازَ أن يُنْصبَ الظرفُ نَصْبَ المفعول ، ويجوزُ إذْ ذاك أن يُضافَ مصدرُه إلى ذلك الظَّرف المُتِّسَع في عاملِهِ ، وأجازَ بعضً النَّحويين أن تكون الإضافةُ على تقدير " في " كما يفهِمُ ظاهرُ كلام الزمخشري " .

فصل

لمَّا ذكر ما لأجله صرف المتكبرين عن آياته وأتبعه ببيان العلّة لذلك الصرف وهُو كونُهم مُكَذِّبينَ بالآياتِ غافلين عنها ، فقد كان يَجُوزُ أن يظن أنَّهُمْ يختلفون في باب العقابِ لأنَّ فيهم مَنْ يعمل بعض أعمال البرّ ، بيَّن تعالى أنه حال جميعهم ، سواء كان متكبراً أو متواضعاً ، أو قليل الإحسان ، أو كثير الإحسان ، فقال : { والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخرة } يعني ذلك بجحدهم للميعاد وجراءتهم على المعاصي ، فبيَّنَ تعالى أنَّ أعمالهم محيطة .

قوله : هَلْ يَجْزوْنَ هذا الاستفهامُ معناه النَّفي ، لذلك دخلت : " إلاَّ " ولو كان معناه التقرير لكان مُوجباً ، فيبعدُ دخول " إلاَّ " أو يمتنع .

وقال الواحديُّ هنا : " لا بد من تقدير محذوفٍ أي : إلا بِمَا كانُوا أو على ما كانُوا ، أو جزاء ما كانوا " وتقريره : أنَّ نفس ما كانوا يعملونه لا يُجْزونَهُ إنَّمَا يُجْزَوْنَ بمقابله .

فصل

احْتَجُّوا على فساد قوله أبي هاشم في أنَّ تاركَ الواجب يستحقُّ العقابَ بمجرَّد أن لا يَفْعَل الواجبَ ، وإن لَمْ يَصْدُرْ منه فعلٌ ضدَّ ذلك الواجب بهذه الآية .

قالوا : لأنّها تدلُّ على أنَّه لا جزاء إلاَّ على العملِ ، وترك الواجبِ ليس بعملٍ ؛ فوجب أن لا يُجازى عليه ؛ فثبت أنَّ الجزاء إنَّمَا حصل على فعل ضده .

وأجاب أبوُ هاشم : بأنِّي لا أسمِّي ذلك العقاب جزاءً ، فسقطَ الاستدلالُ .

وأجَابُوا عن هذا : بأنَّ الجَزاءَ إنَّمَا سُمِّيَ جزاءً ؛ لأنَّهُ يجزي ، ويكفي في المَنْعِ عن المَنْهِيِّ ، وفي الحثِّ على المأمُور به ، فإن ترتَّب العِقَابُ على مجرد ترك الواجبِ ؛ كان ذلك العقابُ كافياً في الزَّجْرِ عن ذلك التَّرك ، فكان جزاء ، فلا سبيل إلى الامتناع من تسميته جزاء .