قوله : { والذين كَذَّبُواْ } في خبره وجهان ، أحدهما : أنَّهُ الجملةُ من قوله " حَبِطَتْ أعْمالُهُم " و " هل يُجْزَونَ " - خبر ثان ، أو مستأنف والثاني : أنَّ الخبر هَلْ يجزونَ والجملةُ من قوله حَبِطَتْ في محلِّ نصب على الحالِ ، و " قَدْ " مضمرة معه ، عند من يشترط ذلك ، وصاحبُ الحال فاعلُ كَذَّبُوا .
قوله : ولقاء الآخرةِ فيه وجهان ، أحدهما : أنَّهُ من باب إضافة المصدر لمفعوله ، والفاعل محذوف ، والتقديرُ : ولقائهم الآخرة . والثاني : أنَّهُ من باب إضافة المصدر للظرف يعني : ولقاء ما وعد الله في الآخرة . ذكرهما الزمخشريُّ .
قال أبُو حيَّان : " ولا يُجيز جُلَّةُ النَّحويين الإضافة إلى الظَّرف ، لأنَّ الظَّرف على تقدير " في " ، والإضافةُ عندهم على تقدير اللاَّم ، أو " مِنْ " فإن اتُّسِعَ في العَامِل جازَ أن يُنْصبَ الظرفُ نَصْبَ المفعول ، ويجوزُ إذْ ذاك أن يُضافَ مصدرُه إلى ذلك الظَّرف المُتِّسَع في عاملِهِ ، وأجازَ بعضً النَّحويين أن تكون الإضافةُ على تقدير " في " كما يفهِمُ ظاهرُ كلام الزمخشري " .
لمَّا ذكر ما لأجله صرف المتكبرين عن آياته وأتبعه ببيان العلّة لذلك الصرف وهُو كونُهم مُكَذِّبينَ بالآياتِ غافلين عنها ، فقد كان يَجُوزُ أن يظن أنَّهُمْ يختلفون في باب العقابِ لأنَّ فيهم مَنْ يعمل بعض أعمال البرّ ، بيَّن تعالى أنه حال جميعهم ، سواء كان متكبراً أو متواضعاً ، أو قليل الإحسان ، أو كثير الإحسان ، فقال : { والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخرة } يعني ذلك بجحدهم للميعاد وجراءتهم على المعاصي ، فبيَّنَ تعالى أنَّ أعمالهم محيطة .
قوله : هَلْ يَجْزوْنَ هذا الاستفهامُ معناه النَّفي ، لذلك دخلت : " إلاَّ " ولو كان معناه التقرير لكان مُوجباً ، فيبعدُ دخول " إلاَّ " أو يمتنع .
وقال الواحديُّ هنا : " لا بد من تقدير محذوفٍ أي : إلا بِمَا كانُوا أو على ما كانُوا ، أو جزاء ما كانوا " وتقريره : أنَّ نفس ما كانوا يعملونه لا يُجْزونَهُ إنَّمَا يُجْزَوْنَ بمقابله .
احْتَجُّوا على فساد قوله أبي هاشم في أنَّ تاركَ الواجب يستحقُّ العقابَ بمجرَّد أن لا يَفْعَل الواجبَ ، وإن لَمْ يَصْدُرْ منه فعلٌ ضدَّ ذلك الواجب بهذه الآية .
قالوا : لأنّها تدلُّ على أنَّه لا جزاء إلاَّ على العملِ ، وترك الواجبِ ليس بعملٍ ؛ فوجب أن لا يُجازى عليه ؛ فثبت أنَّ الجزاء إنَّمَا حصل على فعل ضده .
وأجاب أبوُ هاشم : بأنِّي لا أسمِّي ذلك العقاب جزاءً ، فسقطَ الاستدلالُ .
وأجَابُوا عن هذا : بأنَّ الجَزاءَ إنَّمَا سُمِّيَ جزاءً ؛ لأنَّهُ يجزي ، ويكفي في المَنْعِ عن المَنْهِيِّ ، وفي الحثِّ على المأمُور به ، فإن ترتَّب العِقَابُ على مجرد ترك الواجبِ ؛ كان ذلك العقابُ كافياً في الزَّجْرِ عن ذلك التَّرك ، فكان جزاء ، فلا سبيل إلى الامتناع من تسميته جزاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.