مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡۚ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (147)

قوله تعالى : { والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون }

اعلم أنه تعالى لما ذكر ما لأجله صرف المتكبرين عن آياته بقوله : { ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين } بين حال أولئك المكذبين ، فقد كان يجوز أن يظن أنهم يختلفون في باب العقاب لأن فيهم من يعمل بعض أعمال البر ، فبين تعالى حال جميعهم سواء كان متكبرا أو متواضعا أو كان قليل الإحسان ، أو كان كثير الإحسان ، فقال : { والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة } يعني بذلك جحدهم للميعاد وجرأتهم على المعاصي ، فبين تعالى أن أعمالهم محبطة ، والكلام في حقيقة الإحباط قد تقدم في سورة البقرة على الاستقصاء فلا فائدة في الإعادة .

ثم قال تعالى : { هل يجزون إلا ما كانوا يعملون } وفيه حذف والتقدير : هل يجزون إلا بما كانوا يعملون ؟ أو على ما كانوا يعملون . واحتج أصحابنا بهذه الآية على فساد قول أبي هاشم في أن تارك الواجب يستحق العقاب بمجرد أن لا يفعل الواجب ، وإن لم يصدر منه فعل عند ذلك الواجب قالوا : هذه الآية تدل على أنه لا جزاء إلا على العمل ، وليس ترك الواجب بعمل ، فوجب أن لا يجازي عليه ، فثبت أن الجزاء إنما حصل على فعل ضده . وأجاب أبو هاشم : بأني لا أسمي ذلك العقاب جزاء فسقط الاستدلال .

وأجاب أصحابنا عن هذا الجواب : بأن الجزاء إنما سمي جزاء لأنه يجزي ويكفي في المنع من النهي ، وفي الحث على المأمور به فإن ترتب العقاب على مجرد ترك الواجب كان ذلك العقاب كافيا في الزجر عن ذلك الترك فكان جزاء ، فثبت أنه لا سبيل إلى الامتناع من تسميته جزاء والله أعلم .