المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخۡتِلَٰفُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (80)

80- وهو الذي يحيى ويميت ، وبأمره وقوانينه تعاقب الليل والنهار واختلافهما طولا وقصراً ، ألا تعقلون دلالة ذلك علي قدرته ووجوب الإيمان به ، وبالبعث ؟ {[145]} .


[145]:{وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا يعقلون}: وردت آيات الليل والنهار في مواضع كثيرة من القرآن الكريم مما يدل علي أن الحق ـ سبحانه وتعالي ـ يذكر عباده بهذه الآية الكونية، وبما تتضمنه من معان عميقة تحفز المفكرين إلي التأمل والبحث. واختلاف الليل والنهار ينصب ناحيتين رئيسيتين: الأولي: الاختلاف الزمني طولا وقصرا. والثانية: الاختلاف في الظواهر وغير المرئية. أولا: الاختلاف الزمني: النهار: هو الفترة الزمنية بين ظهور حاجب الشمس واختفائها من أفق المكان حيث يلامس سطح الأرض، وكما نشاهدها بالعين. وحيث إن موقع الحافة العليا للشمس في الحقيقة ليس عند الأفق. وإنما نشاهده كذلك لأن الإشعاع المنبعث منها يتقوس لدى انكساره أثناء مروره في طبقات الجو، حتى يصل إلي عين الراصد، فيشاهدها كما لو كانت عند الأفق. والواقع أن هذه الحافة منخفضة عن الأفق بمقدار 35 دقيقة قوسية. والليل: هو الفترة الزمنية المتممة لفترة النهار، حتى يبلغ مجوعها فترة دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق. وفيما بين الليل والنهار فترتان زمنيتان: هما فترة الشفق الغربي، وفترة الشفق الشرقي، وفترة النهار تختلف باختلاف عرض المكان وفصول السنة. وتختلف أيضا فترة الليل تبعا لذلك. وتحدد مواقيت الصلاة والصوم تبعا لوضع قرص الشمس بالنسبة للأفق. ثانيا: الاختلاف في الظواهر الطبيعية: وهذه هي الظواهر العديدة المختلفة الألوان، والتي تنشأ من تفاعل الإشعاع الشمسي ـ بما يحتويه من إشعاعات موجبة مرئية وغير مرئية. وجسيمات تحمل شحنات كهربائية ـ مع الغلاف الجوي وأسطح البحار والصحاري... الخ، كما أن هناك مشاهدات فلكية كالخسوف والكسوف والمذنبات والنجوم والكواكب السيارة والشهب والنيازك التي قد تحجبها شدة إضاءة الشمس أثناء النهار، بينما تظهر واضحة أثناء الليل. وأهم الظواهر الفيزيائية التي تختلف فيها الليل عن النهار هي الضوء بالنهار، وسببه أن الإشعاع المباشر للشمس عندما يسقط علي الغلاف الجوي الذي يتألف من جزئيات صغيرة، ويحمل الذرات الغبارية، فإنه ينعكس في مختلف الاتجاهات ويتشتت فإذا ما كان الجو نقيا، وأحجام الذرات الغبارية صغيرة جدا، والشمس مرتفعة عن الأفق، فإن اللون الأكثر تشتتا وحساسية للعين هو اللون الأزرق، فتظهر السماء زرقاء، أما عند شروق الشمس أو غروبها فإن الأفق يظهر بلون برتقالي متدرجا إلي الأحمر، بينما يكون الضوء الأزرق المشتت قليلا نسبيا، ولذلك يميل لون السماء عند السمت إلي الزرقة الخافتة. وفي لحظة غروب الشمس عند الأفق نشاهد لونا أخضر عند حافتها العليا لمدة ثانية أو أقل، وهذه الظاهرة تسمى بالوميض الأخضر. وتشاهد عادة علي سطح البحر أو وراء قمم الجبال أو حتى جدران المنازل. وترجع هذه الظاهرة إلي حيود الأشعة الشمسية الذي ينتج عنها تحلل طيفها إلي ألوان منها الضوء الأخضر. والخلاصة أن الإشعاع الشمسي يتألف من مجموعة من الألوان المرتبة وغير المرتبة، ويتميز بعضها عن بعض بطول الموجة، وتخضع هذه الموجات لخصائص عديدة الانكسار والانعكاس والتشتت والتداخل والاستقطاب والحيود. فإذا ما تفاعلت مع الغلاف الجوي في حالات خاصة فإننا نشاهد نتيجة لهذا التفاعل ضوء النهار والسراب وأقواس قزح والهالة الشمسية إلي غير ذلك من آيات السماء (من الظواهر الكونية) وعندما تغيب الشمس وراء الأفق تظهر السماء بألوان مختلفة نظرا لتشتت الضوء في طبقات الجو العليا، وكلما انخفض قرص الشمس خفت ضوء الشفق، وقلت ألوانه الطبيعية، حتى إذا ما بلغ 5و18 درجة قوسية أصبحت السماء قاتمة، وقد اصطلح الميقاتيون علي أن تلون هذه اللحظة "غسق الليل" إيذانا بصلاة العشاء وتلك اللحظة يبدأ عندها الضوء البروجي علي شكل مخروط قاعدته عند الأفق الغربي، ويمتد في ليالي الشتاء الصافية حتى تبلغ قمة المخروط السمت! وفي منتصف الليل تظهر الأضواء البروجية عند أولا كرأس قمة مخروط ضوئي خافت، تزداد في الارتفاع، وتمتد قاعدته عن الأفق الشرقي، حتى إذا بزغ الفجر، أي عندما تكون الشمس منخفضة عن الأفق الشرقي بمقدار 5و18، وهي إيذان بصلاة الفجر، وتبدأ ألوان الشفق الشرقي في الظهور تدريجيا وعكسيا للشفق الغربي، وما الفجر الكاذب سوى الضوء البروجي الذي يبلغ أقصى شدته عندما تكون الشمس منخفضة عن الأفق الشرقي بأكثر من 5و18 درجة قوسية. ولقد تبين حديثا أن للشمس غلافا رقيقا يمتد امتدادا هائلا في الفضاء حتى يكاد يلامس جو الأرض، هذا هو الغلاف الرقيق الذي يسبب الأضواء البروجية بأشكالها المختلفة. هذه الظواهر العديدة التي ذكرناها علي سبيل المثال لا الحصر تتكشف لنا إذا كانت السماء خالية من السحب والأعاصير المحملة بالتراب، لأنها تظهر عندئذ وهي قاتمة اللون، وإذا كانت السحب محملة بقطرات ماء المطر فهي تتفاعل مع الأشعة الشمسية، وتحدث أقواس قزح في أحوال مناسبة. وإذا كان السحاب نوع السمحاق الذي يحمل حبيبات بلورية مسدسة من الماء المتجمد، فإن هذه البلورات تتفاعل مع الإشعاع الشمسي فتنكسر من سطحها إلي داخلها، وينعكس علي الأسطح الداخلية، ثم تنكسر إلي الخارج. وقد نشاهد في ظروف وأحوال مناسبة الهالة الشمسية بمظاهرها الجميلة وهي دائرة ملونة كبرى حول الشمس. وعند سواد الليل تظهر النجوم متلألئة علي سطح القبة السماوية كما لو كانت علي مسافة قريبة منا، وفي الواقع هي علي مسافات شاسعة تقاس بالسنين الضوئية، كما تظهر علي هذه القبة أيضا الكواكب السيارة والمذنبات والشهب والنيازك وهي تبدو قريبة جدا نسبيا، كما لو كانت فروق المسافات قد انعدمت. وهذا ما يجعلنا ندرك المعنى الخفي في قوله تعالي: {وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون}. كما بينا سابقا بالإضافة إلي الإشعاعات الموجبة من الشمس هناك إشعاع من الجسيمات، ينبعث من مناطق شمسية شديدة النشاط، وتحمل شحنات كهربائية، كما تنبعث منها إشاعات شديدة فوق البنفسجية، وهذه الجسيمات والإشعاعات تتفاعل مع الطبقات الجوية العليا، وتتأثر بالمجال المغناطيسي حول الأرض، فتثير الأضواء الشمالية أو الجنوبية، وتظهر قائمة في السماء الشمالية، كأنها ستائر من الإضاءة الجميلة الألوان
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخۡتِلَٰفُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (80)

وقوله { وله اختلاف الليل والنهار } أي له القدرة التي عنها ذلك ، والاختلاف هنا التعاقب ، والكون خلفة ، ويحتمل أن يكون الذي هو المغايرة البينة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخۡتِلَٰفُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (80)

هو من أسلوب { وهو الذي أنشأ لكم السمع } [ المؤمنون : 78 ] وأعقب ذكر الحشر بذكر الإحياء لأن البعث إحياء إدماجاً للاستدلال على إمكان البعث في الاستدلال على عموم التصرف في العالم .

وأما ذكر الإماتة فلمناسبة التضاد ، ولأن فيها دلالة على عظيم القدرة والقهر . ولما كان من الإحياء خلْق الإيقاظ ومن الإماتة خلق النوم كما قال تعالى : { الله يتوفى الأنفس حين موتها } [ الزمر : 42 ] الآية عطف على ذلك أن بقدرته اختلاف الليل والنهار لتلك المناسبة ، ولأن في تصريف الليل والنهار دلالة على عظيم القدرة ، والعلم دلالة على الانفراد بصفات الإلهية وعلى وقوع البعث كما قال تعالى : { كما بدأكم تعودون } [ الأعراف : 29 ] .

واللام في { له اختلاف الليل والنهار } للملك ، أي بقدرته تصريف الليل والنهار ، فالنهار يناسب الحياة ولذلك يسمى الهبوب في النهار بعثاً ، والليلُ يناسب الموت ولذلك سمى الله النوم وفاةً في قوله : { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه } [ الأنعام : 60 ] .

وتقديم المجرور للقصر ، أي له اختلاف الليل والنهار لا لغيره ، أي فغيره لا تحق له الإلهية .

ولما كانت هذه الأدلة تفيد من نظر فيها علماً بأن الإله واحد وأن البعث واقع وكان المقصودون بالخطاب قد أشركوا به ولم يهتدوا بهذه الأدلة جُعلوا بمنزلة غير العقلاء فأنكر عليهم عدم العقل بالاستفهام الإنكاري المفرع على الأدلة الأربعة بالفاء في قوله { أفلا تعقلون } .

وهذا تذييل راجع إلى قوله { وإليه تحشرون } [ المؤمنون : 79 ] وما بعده .