معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوۡ مِسۡكِينٗا ذَا مَتۡرَبَةٖ} (16)

{ أو مسكيناً ذا متربة } قد لصق بالتراب من فقره وضره . وقال مجاهد عن ابن عباس : هو المطروح في التراب لا يقيه شيء . والمتربة مصدر ترب يترب ترباً ومتربة ، إذا افتقر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوۡ مِسۡكِينٗا ذَا مَتۡرَبَةٖ} (16)

فلا أقتحم العقبة أي فلم يشكر تلك الأيادي باقتحام العقبة وهو الدخول في أمر شديد و العقبة الطريق في الجبل استعارها بما فسرها عز وجل من الفلك والإطعام في قوله وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة لما فيهما من مجاهدة النفس ولتعدد المراد بها حسن وقوع لا موقع لم فإنها لا تكاد تقع إلا مكررة إذ المعنى فلا فك رقبة ولا أطعم يتيما أو مسكينا والمسغبة والمقربة والمتربة مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب وترب إذا افتقر وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي فك رقبة أو أطعم على الإبدال من اقتحم وقوله تعالى وما أدراك ما العقبة اعترض معناه إنك لم تدركنه صعوبتها وثوابها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوۡ مِسۡكِينٗا ذَا مَتۡرَبَةٖ} (16)

و [ أو ] في قوله تعالى [ أو مسكينا ] فيها معنى الإباحة ومعنى التخيير لأن الكلام يتضمن معنى الحض والأمر ، وفيها أيضا معنى التفصيل المجرد ، لأن الكلام يجري مجرى الخبر الذي لا تكون [ أو ] فيه إلا مفصلة وأما معنى الشك و الإبهام فلا مدخل لها في هذه الآية ، والإبهام نحو قوله تعالى : [ وإنا أو إياكم ]{[11839]} ، وقول أبي الأسود :

أحب محمدا حبا شديدا *** وعباسا وحمزة أو عليا{[11840]}

[ وذا متربة ] معناه : مدقعا قد لصق بالتراب وهذا مما ينحو إلى أن المسكين أشد فاقة من الفقير ، قال سفيان : هم المطروحون على ظهر الطريق قعودا على التراب لا بيوت لهم ، وقال ابن عباس : هو الذي يخرج من بيته ثم يقلب وجهه إلى بيته مستيقنا أنه ليس فيه إلا التراب .


[11839]:من الآية 24 من سورة سبأ.
[11840]:أبو الأسود الدؤلي هو ظالم بن عمرو بن جندل الكناني، وهو يعد في الشعراء والنحويين، وكان علوي الرأي وشهد مع الإمام علي وقعة صفين، وولي البصرة لابن عباس، والبيت يلتقي مع هذه الاتجاهات، ,"أو" فيه للإبهام.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوۡ مِسۡكِينٗا ذَا مَتۡرَبَةٖ} (16)

والمسكين : الفقير ، وتقدم في سورة البقرة ( 184 ) عند قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين وذا متربة } صفة لمسكين جعلت المتربة علامة على الاحتياج بحسب العرف .

والمَتربة مصدر بوزن مفْعَلة أيضاً وفعِله تَرِب يقال : ترب ، إذا نام على التراب أي لم يكن له ما يفترشه على الأرض ، وهو في الأصل كناية عن العُروِّ من الثياب التي تحول بين الجسد والأرض عند الجلوس والاضطجاع وقريب منه قولهم في الدعاء : تَرِبت يمينك : وتربَت يداك .

و { أو } للتقسيم وهو معنى من معاني ( أو ) جاء من إفادة التخيير .

واعلم أنه إن كان المراد بالإنسان الجنس المخصوص ، أي المشركين كان نفي فكّ الرقاب والإِطعام كنايةً عن انتفاء تحلّيهم بشرائع الإِسلام لأن فكّ الرقاب وإطعام الجياع من القُربات التي جاء بها الإِسلام من إطعام الجياع والمحاويج وفيه تعريض بتعيير المشركين بأنهم إنما يحبون التفاخر والسمعة وإرضاء أنفسهم بذلك ، أو لمؤانسة الأخلاّء وذلك غالب أحوالهم ، أي لم يطعموا يتيماً ولا مسكيناً في يوم مسغبة ، أي هو الطعام الذي يرضاه الله لأن فيه نفع المحتاجين من عباده . وليس مثل إطعامكم في المآدب والولائم والمنادمة التي لا تعود بالنفع على المطعَمين لأن تلك المطاعم كانوا يدْعُون لها أمثالهم من أهل الجِدّة دون حاجة إلى الطعام وإنما يريدون المؤانسة أو المفاخرة .

وفي حديث مسلم " شر الطعام طعامُ الوليمة يُمْنَعْها من يأتيها ويُدعى إليها من يأباها " وروى الطبراني : " شرّ الطعام طعام الوليمة يُدعى إليه الشَّبْعان ويُحبس عنه الجائع " .

وإن كان المراد من الإِنسان واحداً معيناً جاز أن يكون المعنى على نحو ما تقدم ، وجاز أن يكون ذَمّاً له باللّؤْم والتفاخرِ الكاذب ، وفضحاً له بأنه لم يسبق منه عمل نافع لقومه قبل الإِسلام فلم يغرم غرامة في فَكاك أسير أو مأخوذٍ بدم أو مَنّ بحُرية على عبدٍ .

وأيَّاَ مَّا كان فليس في الآية دلالة على أن الله كلف المشركين بهذه القرب ولا أنه عاقبهم على تركهم هذه القربات ، حتى تفرض فيه مسألة خطاب الكفار بفروع الشريعة وهي مسألة قليلة الجدوى وفرضها هنا أقل إجداء .