المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ هِيَ رَٰوَدَتۡنِي عَن نَّفۡسِيۚ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن قُبُلٖ فَصَدَقَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (26)

26- قال يوسف يدافع عن نفسه : هي طلبتني ، وحاولت أن تخدعني عن نفسي ، وتخاصما في الاتهام ، فحكم حكَم من أهلها فقال : إن كان قميصه شق من أمام ، فقد صدقت في ادعائها ، وهو من الكاذبين فيما أخبر به .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ هِيَ رَٰوَدَتۡنِي عَن نَّفۡسِيۚ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن قُبُلٖ فَصَدَقَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (26)

قوله تعالى : { قال هي راودتني عن نفسي } ، يعني : طلبت مني الفاحشة فأبيت وفررت . قيل : ما كان يريد يوسف أن يذكره ، فلما قالت المرأة : ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ؟ ذكره ، فقال : هي راودتني عن نفسي . { وشهد شاهد } ، وحكم حاكم ، { من أهلها } ، اختلفوا في ذلك الشاهد : فقال سعيد بن جبير ، والضحاك : كان صبيا في المهد ، أنطقه الله عز وجل ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تكلم أربعة وهم صغار : ابن ماشطه ابنة فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم عليه السلام " . وقيل : كان ذلك الصبي ابن خال المرأة . وقال الحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد : لم يكن صبيا ولكنه رجلا حكيما ذا رأي قال السدي : هو ابن عم راعيل ، فحكم فقال : { إن كان قميصه قد من قبل } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ هِيَ رَٰوَدَتۡنِي عَن نَّفۡسِيۚ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن قُبُلٖ فَصَدَقَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (26)

يخبر تعالى عن حالهما حين خرجا يستبقان إلى الباب ، يوسف هارب ، والمرأة تطلبه ليرجع إلى البيت ، فلحقته في أثناء ذلك ، فأمسكت بقميصه [ من ورائه ]{[15136]} فَقَدَّته{[15137]} قدًا فظيعا ، يقال : إنه سقط عنه ، واستمر يوسف هاربا ذاهبا ، وهي في إثره ، فألفيا سيدها - وهو زوجها - عند الباب ، فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها ، وقالت لزوجها متنصلة وقاذفة يوسف بدائها : { مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا } أي :{[15138]} فاحشة ، { إِلا أَنْ يُسْجَنَ } أي : يحبس ، { أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : يضرب ضربا شديدًا موجعا . فعند ذلك انتصر يوسف ، عليه السلام ، بالحق ، وتبرأ مما رمته به من الخيانة ، وقال بارا صادقا{[15139]} { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي } وذكر أنها اتبعته تجذبه إليها حتى قدت قميصه ، { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ } أي : من قدامه ، { فَصَدَقَتْ } أي : في قولها إنه أرادها على نفسها ، لأنه يكون لما دعاها وأبت عليه دفعته في صدره ، فقدت قميصه ، فيصح ما قالت : { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ } وذلك يكون كما وقع لما هرب منها ، وتطلبته أمسكت بقميصه من ورائه لتردّه إليها ، فقدت قميصه من ورائه .

وقد اختلفوا في هذا الشاهد : هل هو صغير أو كبير ، على قولين لعلماء السلف ، فقال عبد الرزاق :

أخبرنا إسرائيل ، عن سِمَاك ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } قال : ذو لحية .

وقال الثوري ، عن جابر ، عن ابن أبي مُلَيْكَة ، عن ابن عباس : كان من خاصة الملك . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والسُّدِّي ، ومحمد بن إسحاق : إنه كان رجلا .

وقال زيد بن أسلم ، والسدي : كان ابن عمها .

وقال ابن عباس : كان من خاصة الملك .

وقد ذكر ابن إسحاق أن زليخا كانت بنت أخت الملك الريان بن الوليد .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } قال : كان صبيا في المهد . وكذا رُوي عن أبي هريرة ، وهلال بن يَسَاف ، والحسن ، وسعيد بن جبير والضحاك بن مُزاحم : أنه كان صبيا في الدار . واختاره ابن جرير .

وقد ورد فيه حديث مرفوع فقال ابن جرير : حدثنا الحسن بن محمد ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد - هو ابن سلمة - أخبرني عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي

صلى الله عليه وسلم قال : " تكلم أربعة وهم صغار " ، فذكر فيهم شاهد يوسف{[15140]} .

ورواه غيره عن حماد بن سلمة ، عن عطاء ، عن سعيد ، عن ابن عباس ؛ أنه قال : تكلم أربعة وهم صغار : ابن ماشطة بنت فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جُرَيْج ، وعيسى ابن مريم{[15141]} .

وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : كان من أمر الله ، ولم يكن إنسيا . وهذا قول غريب .

وقوله : { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ } أي : فلما تحقق زوجها صدقَ يوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به ، { قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ } أي : إن هذا البهت واللَّطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن ، { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }

ثم قال آمرا ليوسف ، عليه السلام ، بكتمان ما وقع : يا { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا } أي : اضرب عن هذا [ الأمر ]{[15142]} صفحا ، فلا تذكره لأحد ، { وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ } يقول لامرأته وقد كان لين العريكة سهلا أو أنه عذرها ؛ لأنها رأت ما لا صبر لها عنه ، فقال لها : { وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ } أي : الذي{[15143]} وقع منك من إرادة السوء بهذا الشاب ، ثم قَذْفه بما هو بريء منه ، استغفري من هذا الذي وقع منك ، { إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }


[15136]:- زيادة من ت ، أ.
[15137]:- في ت ، أ : "فقدت".
[15138]:- في ت ، أ : "تعني".
[15139]:- في ت : "صادقا بارا".
[15140]:- تفسير الطبري (16/55) ورواه أحمد في المسند (1/310) والحاكم في المستدرك (2/496) من طريق حماد بن سلمة به ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
[15141]:- رواه العلاء بن عبد الجبار عن حماد موقوفا أخرجه الطبري في تفسيره (16/54).
[15142]:- زيادة من ت.
[15143]:- في ت ، أ : "للذي".

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ هِيَ رَٰوَدَتۡنِي عَن نَّفۡسِيۚ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن قُبُلٖ فَصَدَقَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (26)

{ قال هي راودتني عن نفسي } طالبتني بالمؤاتاة ، وإنما قال ذلك دفعا لما عرضته له من السجن أو العذاب الأليم ، ولو لم تكذب عليه لما قاله . { وشهد شاهد من أهلها } قيل ابن عم لها . وقيل ابن خال لها صبيا في المهد . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " تكلم أربعة صغارا ابن ماشطة فرعون ، وشاهد يوسف وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام " وإنما ألقى الله الشهادة على لسان أهلها لتكون ألزم عليها . { إن كان قميصه قُدّ من قبُل فصدقت وهو من الكاذبين } لأنه يدل على أنها قدت قميصه من قدامه بالدفع عن نفسها ، أو أنه أسرع خلفها فتعثر بذيله فانقد جيبه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ هِيَ رَٰوَدَتۡنِي عَن نَّفۡسِيۚ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن قُبُلٖ فَصَدَقَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (26)

جملة { قال هي راودتني عن نفسي } من قول يوسف عليه السّلام ، وفصلت لأنها جاءت على طريقة المحاورة مع كلامها . ومخالفة التعبير بين { أن يسجن أو عذابٌ } دون أن يقول : إلا السجنُ أو عذاب ، لأن لفظ السجن يطلق على البيت الذي يوضع فيه المسجون ويطلق على مصدر سجن ، فقوله : { أن يسجن } أوضح في تسلط معنى الفعل عليه .

وتقديم المبتدأ على خبره الذي هو فعل يفيد القصر ، وهو قصر قلب للرد عليها . وكان مع العزيز رجل من أهل امرأته ، وهو الذي شهد وكان فطناً عارفاً بوجوه الدلالة .

وسمي قوله شهادة لأنه يؤول إلى إظهار الحق في إثبات اعتداء يوسف عليه السّلام على سيدته أو دحضه . وهذا من القضاء بالقرينة البينة لأنها لو كانت أمسكت ثوبه لأجل القبض عليه لعقابه لكان ذلك في حال استقباله له إياها فإذا أراد الانفلات منها تخرق قميصه من قُبُل ، وبالعكس إن كان إمساكه في حال فرار وإعراض . ولا شك أن الاستدلال بكيفية تمزيق القميص نشأ عن ذكر امرأة العزيز وقوع تمزيق القميص تحاول أن تجعله حجة على أنها أمسكته لتعاقبه ، ولولا ذلك ما خطر ببال الشاهد أن تمزيقاً وقع وإلا فمن أين علم الشاهد تمزيق القميص . والظاهر أن الشاهد كان يظن صدقها فأراد أن يقيم دليلاً على صدقها فوقع عكس ذلك كرامة ليوسف عليه السّلام .