البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ هِيَ رَٰوَدَتۡنِي عَن نَّفۡسِيۚ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن قُبُلٖ فَصَدَقَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (26)

ولما أغرت بيوسف وأظهرت تهمته احتاج إلى إزالة التهمة عن نفسه فقال : هي راودتني عن نفسي ، ولم يسبق إلى القول أولاً ستراً عليها ، فلما خاف على نفسه وعلى عرضه الطاهر قال : هي ، وأتى بضمير الغيبة ، إذ كان غلب عليه الحياء أن يشير إليها ويعينها بالإشارة فيقول : هذه راودتني ، أو تلك راودتني ، لأن في المواجهة بالقبيح ما ليس في الغيبة .

ولما تعارض قولاهما عند العزيز وكان رجلاً فيه إناءة ونصفة ، طلب الشاهد من كل منهما ، فشهد شاهد من أهلها .

فقال أبو هريرة ، وابن عباس ، والحسن ، وابن جبير ، وهلال بن يساف ، والضحاك : كان ابن خالتها طفلاً في المهد أنطقه الله تعالى ليكون أدل على الحجة .

وروي في الحديث : «أنه من الصغار الذين تكلموا في المهد » وأسنده الطبري .

وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم : " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى بن مريم ، وصاحب جريج ، وابن السوداء " وقيل : كان ابن عمها الذي كان مع زوجها لدى الباب ، ولا ينافي هذا قول قتادة ، كان رجلاً حليماً من أهلها ذا رأي يأخذ الملك برأيه ويستشيره .

وقيل : كان حكماً حكمه زوجها فحكم بينهما ، وكان الشاهد من أهلها ليكون أوجب للحجة عليها ، وأوثق لبراءة يوسف ، وأنفى للتهمة .

ويحتمل أن يكون معهما في الدار بحيث لا يشعر به ، فبصر بما جرى بينهما ، فأغضبه الله ليوسف ، وشهد بالحق .

ويبعد قول مجاهد وابن حبيب أنّ الشاهد هو القميص المقدود لقوله : شاهد من أهلها ، ولا يوصف القميص بكونه شاهداً من أهل المرأة .

وسمى الرجل شاهداً من حيث دل على الشاهد ، وهو تخريق القميص .

وقال الزمخشري : سمى قوله شهادة لأنه أدى تأديتها في ثبت قول يوسف وبطل قولها ، وإن كان قميصه محكي إما بقال مضمرة على مذهب البصريين ، وإما بشهد ، لأنّ الشهادة قول من الأقوال على مذهب الكوفيين .

وكان هنا دخلت عليها أداة الشرط ، وتقدم خلاف المبرد والجمهور فيها ، هل هي باقية على مضيها ولم تقلها أداة الشرط ؟ أو المعنى : أن يتبين كونه .

فأداة الشرط في الحقيقة إنما دخلت على هذا المقدر .

وجواب الشرط فصدقت وفكذبت ، وهو على إضمار قد أي : فقد صدقت ، وفقد كذبت .

ولو كان فعلاً جامداً أو دعاء لم يحتج إلى تقدير قد .