الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالَ هِيَ رَٰوَدَتۡنِي عَن نَّفۡسِيۚ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن قُبُلٖ فَصَدَقَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (26)

ولما أغرت به وعرّضته للسجن والعذاب وجب عليه الدفع عن نفسه فقال : { هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى } ولولا ذلك لكتم عليها { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا } قيل كان ابن عمّ لها ، إنما ألقى الله الشهادة على لسان من هو من أهلها ؛ لتكون أوجب للحجة عليها ، وأوثق لبراءة يوسف ، وأنفى للتهمة عنه . وقيل : هو الذي كان جالساً مع زوجها لدى الباب . وقيل كان حكيماً يرجع إليه الملك ويستشيره ويجوز أن يكون بعض أهلها كان في الدار فبصر بها من حيث لا تشعر ، فأغضبه الله ليوسف بالشهادة له والقيام بالحق . وقيل : كان ابن خال لها صبياً في المهد . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " تكلم أربعة وهم صغار : ابن ماشطة فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى "

فإن قلت : لم سمي قوله شهادة وما هو بلفظ الشهادة ؟ قلت : لما أدّى مؤدى الشهادة في أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها سمي شهادة :

فإن قلت : الجملة الشرطية كيف جازت حكايتها بعد فعل الشهادة ؟ قلت : لأنها قول من القول ، أو على إرادة القول ، كأنه قيل : وشهد شاهد فقال إن كان قميصه . لت : إن دل قدّ قميصه من دبر على أنها كاذبة وأنها هي التي تبعته واجتبذت ثوبه إليها فقدّته ، فمن أين دل قدّه من قبل على أنها صادقة ، وأنه كان تابعها ؟ قلت : من وجهين ، أحدهما : أنه إذا كان تابعها وهي دافعته عن نفسها قدت قميصه من قدّامه بالدفع . والثاني : أن يسرع خلفها ليلحقها فيتعثر في مقادم قميصه فيشقه . وقرىء : «من قبل » ومن دبر ، بالضم على مذهب الغايات . والمعنى : من قبل القميص ومن دبره . وأما التنكير فمعناه من جهة يقال لها قبل ، ومن جهة يقال لها دبر . وعن ابن أبي إسحاق أنه قرأ : «من قبل » و «من دبر » بالفتح ، كأنه جعلهما علمين للجهتين فمنعهما الصرف للعلمية والتأنيث . وقرئا بسكون العين .

فإن قلت : كيف جاز الجمع بين «إن » الذي هو للاستقبال وبين «كان » ؟ قلت : لأنّ المعنى أن يعلم أنه كان قميصه قدّ ، ونحوه كقولك : إن أحسنت إليّ فقد أحسنت إليك من قبل ، لمن يمتن عليك بإحسانه ، تريد : إن تمتن عليَّ أمتنَّ عليك .