فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ هِيَ رَٰوَدَتۡنِي عَن نَّفۡسِيۚ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن قُبُلٖ فَصَدَقَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (26)

وجملة { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَفْسِي } مستأنفة كالجملة الأولى . وقد تقدّم بيان معنى المراودة أي : هي التي طلبت مني ذلك ولم أرد بها سوءاً { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا } أي : من قرابتها ، وسمي الحكم بينهما شهادة لما يحتاج فيه من التثبت والتأمل ، قيل : لما التبس الأمر على العزيز احتاج إلى حاكم يحكم بينهما ليتبين له الصادق من الكاذب . قيل : كان ابن عمّ لها واقفاً مع العزيز في الباب . وقيل : ابن خال لها ، وقيل : إنه طفل في المهد تكلم . قال السهيلي : وهو الصحيح للحديث الوارد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر من تكلم في المهد ، وذكر من جملتهم شاهد يوسف ؛ وقيل : إنه رجل حكيم كان العزيز يستشيره في أموره ، وكان من قرابة المرأة { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُل } أي : فقال الشاهد هذه المقالة مستدلاً على بيان صدق الصادق منهما ، وكذب الكاذب ، بأن قميص يوسف إن كان مقطوعاً من قبل : أي من جهة القبل { فَصَدَقَتْ } أي : فقد صدقت بأنه أراد بها سوءاً { وَهُوَ مِنَ الكاذبين } في قوله إنها راودته عن نفسه . وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق ( من قبل ) بضم اللام . وكذا قرأ ( من دبر ) قال الزجاج : جعلاهما غايتين كقبل وبعد كأنه قيل : من قبله ومن دبره ، فلما حذف المضاف إليه : وهو مراد صار المضاف غاية بعد أن كان المضاف إليه هو الغاية .

/خ29