وقوله : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ } أي : هذا ذكر رحمة الله بعبده زكريا .
وقرأ يحيى بن يعمر " ذَكَّرَ رحمة ربك عَبْدَهُ زَكَريَّا " .
[ و ]{[18658]} { زَكَرِيَّا } : يمد ويقصر قراءتان مشهورتان . وكان نبيًّا عظيمًا من أنبياء بني إسرائيل . وفي صحيح البخاري : أنه كان نجارًا ، أي : كان يأكل من عمل يديه في النجارة .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّآ * إِذْ نَادَىَ رَبّهُ نِدَآءً خَفِيّاً * قَالَ رَبّ إِنّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّي وَاشْتَعَلَ الرّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبّ شَقِيّاً } .
اختلف أهل العربية في الرافع للذكر ، والناصب للعبد ، فقال بعض نحويي البصرة في معنى ذلك كأنه قال : مما نقصّ عليك ذكر رحمة ربك عبده ، وانتصب العبد بالرحمة كما تقول : ذكر ضرب زيد عمرا . وقال بعض نحويي الكوفة : رفعت الذكر بكهيعص ، وإن شئت أضمرت هذا ذكر رحمة ربك ، قال : والمعنى ذكر ربك عبده برحمته تقديم وتأخير .
قال أبو جعفر : والقول الذي هو الصواب عندي في ذلك أن يقال : الذكر مرفوع بمضمر محذوف ، وهو هذا كما فعل ذلك في غيرها من السور ، وذلك كقول الله : بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وكقوله : سُورَةٌ أنْزَلْناها ونحو ذلك . والعبد منصوب بالرحمة ، وزكريا في موضع نصب ، لأنه بيان عن العبد ، فتأويل الكلام : هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا .
وارتفع قوله { ذكرُ } فيما قالت فرقة بقوله { كهيعص } وقد تقدم وجه ذلك ، وقالت فرقة : ارتفع على خبر ابتداء تقديره «هذا ذكر » وقالت فرقة : ارتفع بالابتداء والخبر مقدر تقديره فيما أوحي اليك ذكر ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وابن يعمر «ذَكَرَ رحمة ربك » بفتح الذال والكاف والراء على معنى هذا المتلو ذكر «رحمة » بالنصب ، هذه حكاية أبي الفتح .
وحكى أبو عمرو الداني عن ابن يعمر أنه قرأ «ذَكِّر رحمةَ » بفتح الذال وكسر الكاف [ المشددة ]{[2]} ونصب الرحمة و «عبدَه » نصب ب «الرحمة » التقدير ذكر أن رحم ربك عبده « ، ومن قال في الكلام تقديم وتأخير فقد تعسف . وقرأ الجمهور » زكرياء «بالمد ، وقرأ الأعمش ويحيى وطلحة » زكريا «بالقصر وهما لغتان وفيه لغات غيرهما .
افتتاح كلام ، فيتعيّن أن { ذِكْرُ } خبر مبتدأ محذوف ، مثلُه شائع الحذف في أمثال هذا من العناوين . والتقدير : هذا ذكر رحمة ربّك عبده . وهو بمعنى : اذكر . ويجوز أن يكون { ذِكْرُ } أصله مفعولاً مطلقاً نائباً عن عامله بمعنى الأمر ، أي اذكر ذكراً ، ثمّ حول عن النصب إلى الرفع للدلالة على الثبات كما حُول في قوله { الحمد لله } وقد تقدم في [ سورة الفاتحة : 2 ] . ويرجحه عطف { واذكر في الكتاب مريم } [ مريم : 16 ] ونظائرِه .
وقد جاء نظم هذا الكلام على طريقة بديعة من الإيجاز والعدولِ عن الأسلوب المتعارف في الإخبار ، وأصل الكلام : ذكر عبدنا زكرياء إذ نادى ربّه فقال : رب الخ . . . فرحمة ربّك ، فكان في تقديم الخبر بأن الله رحمه اهتمام بهذه المنقبة له ، والإنباء بأن الله يرحم من التجأ إليه ، مع ما في إضافة { ربّ } إلى ضمير النبيء وإلى ضمير زكرياء من التنويه بهما .
وافتتحت قصة مريم وعيسى بما يتصل بها من شؤون آل بيت مريم وكافلها لأنّ في تلك الأحوال كلها تذكيراً برحمة الله تعالى وكرامته لأوليائه .
وزكرياء نبي من أنبياء بني إسرائيل ، وهو زكرياء الثاني زوج خالة مريم ، وليس له كتاب في أسفار التوراة . وأما الذي له كتاب فهو زكرياء بن برخيا الذي كان موجوداً في القرن السادس قبل المسيح . وقد مضت ترجمة زكرياء الثاني في سورة آل عمران ومضت قصّة دعائه هنالك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.