إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ زَكَرِيَّآ} (2)

{ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ } أي المسمّى به ذكرُ رحمة الخ ، فإن ذكرَها لمّا كان مطلَعَ السورةِ الكريمة ومعظمَ ما انطوت هي عليه جُعلت كأنها نفسُ ذكرها ، والأولُ هو الأولى لأن ما يجعل عنواناً للموضوع حقُّه أن يكون معلومَ الانتساب إليه عند المخاطبِ ، وإذ لا علمَ بالتسمية من قبل فحقُّها الإخبارُ بها كما في الوجه الأول ، وإن جُعلت مسرودةً على نمط التعديدِ حسبما جنَح إليه أهلُ التحقيقِ فذكرُ الخ خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ هو ما ينبئ عنه تعديدُ الحروف كأنه قيل : المؤلَّفُ من جنس هذه الحروف المبسوطةِ مراداً به السورةُ ذكرُ الرحمة الخ ، وقيل : هو مبتدأٌ قد حُذف خبرُه أي فيما يتلى عليك ذكرُها ، وقرئ ذكَّر رحمةَ ربك على صيغة الماضي من التذكير أي هذا المتلوُّ ذكّرها ، وقرئ اذكُرْ على صيغة الأمر ، والتعرضُ لوصف الربوبية المنْبئةِ عن التبليغ إلى الكمال مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام للإيذان بأن تنزيلَ السورة عليه عليه الصلاة والسلام تكميلٌ له عليه السلام ، وقوله تعالى : { عَبْدِهِ } مفعولٌ لرحمة ربك على أنها مفعولٌ لما أضيف إليها ، وقيل : للذكر على أنه مصدرٌ أضيف إلى فاعله على الاتساع ، ومعنى ذكرِ الرحمةِ بلوغُها وإصابتُها ، كما يقال : ذكرني معروفُ فلان أي بلغني ، وقوله عز وعلا : { زَكَرِيَّا } بدل منه أو عطف بيان له .